والترجيح بالسند وإن كان القدماء أيضا متمسكين به، فالصدوق في الفقيه رجح به في باب " صفة وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1) وفي باب " ما يصلى فيه من الثياب " (2) وفي باب " صوم تطوعه " (3) وفي باب " صوم يوم شكه " (4) وفي باب " صفة صلاة شهر رمضانه " (5) وفي " إحرام حائضه " (6) وفي " تعزيره " (7) وفي " الرجلين الوصيين " (8) وفي " ميراث مجوسه " (9) إلا أنه لم يكن عندهم عليه المدار كما هو كذلك بعد الفاضلين إلى هذه الأعصار، فكان القدماء في مقام التعارض يجعلون الترجيح أولا بموافقة الكتاب ثم بالسنة المشتهرة ثم بالشهرة ثم بالسند، فكم عملوا بخبر ضعيف في الاصطلاح المتأخر لاشتهاره وتركوا خبرا صحيحا بالاصطلاح المتأخر لشذوذه، يشهد له ملاحظة الاستبصار في ما يصدر ويؤخر من الأخبار، وهي الطريقة المستقيمة والشهرة التي قلنا الشهرة المتحققة قبل الشيخ لا بعده، لعدم تحقق شهرة بعده لانتهائها إليه.
وبالجملة: الشيخ له في كتبه اشتباهات واختلافات وتبديلات، أثر كل منها آثارا في من جاء بعده حتى آل الأمر إلى حصول هذه الانقلابات، وسبب ذلك انقطاع المتأخرين عن المتقدمين وعن كتبهم وتأليفاتهم وعن طريقتهم وسيرتهم وكون الشيخ في خاتمتهم، ولو كان الشيخ في عصر متقدم على عصره وسلك ما سلك لتركت كتبه، كما تركت كتب ابن الجنيد لرميه بالعمل بالقياس، مع أنه غير معلوم لأن بطلانه في الجملة من ضروريات مذهب الإمامية؛ فلعله عمل بعموم علة ونحوه مما لم يعده قياسا، فمن كتبه " كتاب كشف التمويه في الإلباس على إغمار الشيعة في أمر القياس " وأظن أن كتبه لو وجدت تكون أقرب من بعض كتب الشيخ كالمبسوط والخلاف إلى فقهنا.
هذا، ولما قال القهبائي: إن الشيخ اشتبه، ونسب إليه أمورا باطلة مما لا محل له للاشتباه فيها، رأينا شرح هذه الأمور مناسبا، فلنرجع فنقول: