وغرضه في ذلك وإن كان صحيحا إلا أنه لو لم ينقل تلك الأخبار الشاذة - كما لم ينقلها الكليني والصدوق - كان أحسن، لأن الإنصاف أن الجمع بينها بالمعنى كما فعل في غاية الاعتساف، والصواب ردها بشذوذها، ولو كان ترك نقلها لصارت مهجورة كالأصول المتضمنة لها.
مع أنه وإن نقلها، إلا أنه فرق بينها، فنقل الأخبار المشتهرة التي عليها العمل في أوائل الأبواب والشاذة التي لم يعمل بها في أواخرها، إلا أن المتأخرين لم يتفطنوا لهذه النكتة وعاملوا الجميع معاملة واحدة.
كما أن كتب فقهنا كانت متون الأخبار السليمة، كرسالة علي بن بابويه، ومقنع محمد بن علي بن بابويه، وكذا مقنعة المفيد.
ورأى الشيخ - كما مر - طعن المخالفين على الأصحاب بقلة الفروع فتصدى لتأليف المبسوط والخلاف على منوالهم، فقال في أول الأول: لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية وينسبونهم إلى قلة الفروع، ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقصة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول، لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين. وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا (عليهم السلام) الذين قولهم في الحجية يجري مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إما خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا. وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا لا على وجه القياس، بل على طريقة توجب علما يجب العمل عليها ويسوغ المصير إليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير ذلك، مع أن أكثر الفروع لها مدخل في ما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها، حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة، وكنت على قديم الوقت وحديثه