متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك وتضعف نيتي فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به لأنهم آلفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتى أن مسألة لو غير لفظها وغير عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها [انتهى].
وهو وإن كان في تأليفهما ذا غرض صحيح، إلا أنه صار سببا لفتح باب طرح الآثار والعمل بضروب الاعتبار، وقد صرح ابن إدريس الحلي في مواضع من كتابه بأن كثيرا من فروع الكتابين مأخوذة من آراء العامة وإن كان الحلي نفسه أيضا كثيرا يعمل بها غفلة.
كما أن نهايته لعمله فيه بكل خبر، أحدث سيرة جمع صاروا في الأعصار المتأخرة معروفين ب " الأخباريين " والعامة يسمون من يعمل بكل خبر " الظاهرية " ورئيسهم داود.
والأخباريون عند القدماء: أهل السير والتواريخ، فوصفوا أبا مخنف لوط بن يحيى وهشام بن محمد بن السائب وأباه والواقدي والمدائني ونصر بن مزاحم المنقري وعبد العزيز بن يحيى الجلودي بالأخباريين، وهم أئمة التاريخ.
وطريقة العمل بكل خبر وإن كان عليها جمع من المتقدمين، إلا أن الأكثر أعرضوا عنها وطعنوا في أولئك وجعلوها عيبا لهم، فقالوا: يروون عن الضعفاء - كما عرفت في ما تقدم - حتى أن مثل ابن الوليد وابن بابويه اللذين عملا بأخبار سهو النبي (صلى الله عليه وآله) قد عرفت استثناءهما من روايات " محمد بن أحمد بن يحيى " رواياته عن جمع كثير.
ومن تأخر عن الشيخ بعضهم يرجح مبسوطه كالقاضي، وبعضهم نهايته كابن حمزة، وبعضهم يخلط كابن إدريس، فتارة يرجح ما في المبسوط بدليل الأصل وكون ما في النهاية خبرا واحدا، وأخرى ما في النهاية مدعيا تواتر الأخبار به بلا قاعدة له في ذلك.
ولما رأى ذلك المحقق والعلامة قسما الأخبار بالصحيح والحسن والقوي والضعيف وخصا الاعتبار بالأولين.