ابن أبي طالب " فأقبل الرشيد علينا ونحن قيام على رأسه والأمين والمؤتمن وسائر القواد، فقال: احفظوا على أنفسكم، ثم قال لآذنه: ائذن له ولا ينزل إلا على بساطي، فبينا نحن كذلك إذ دخل شيخ قد أنهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم من السجود وجهه وأنفه، فلما رأى الرشيد أراد رمي نفسه عن حمار كان ركبه، فصاح الرشيد: لا والله إلا على بساطي، فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال والإعظام! فما زال يسير على حماره حتى صار إلى البساط والحجاب والقواد محدقون به فنزل، فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبل وجهه وعينيه حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه فيه، وجعل يحدثه ويقبل بوجهه عليه ويسأله عن أحواله، ثم قال له: يا أبا الحسن، ما عليك من العيال؟
فقال: يزيدون على الخمسمائة، قال: أولادك كلهم؟ قال: لا أكثرهم موالي وحشم، فأما الولد فلي نيف وثلاثون الذكران منهم كذا والنسوان منهم كذا (إلى أن قال) ثم قام فقام الرشيد لقيامه وقبل عينيه ووجهه، ثم أقبل علي وعلى الأمين والمؤتمن فقال: يا عبد الله ويا محمد ويا إبراهيم! امشوا بين يدي عمكم وسيدكم وخذوا بركابه وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله " فأقبل علي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي: " إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي " ثم انصرفنا وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت له: من هذا الرجل الذي قد أعظمته وكرمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، فقلت له: أوليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني أنه لأحق بمقام النبي (صلى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني أنت في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك! فإن الملك