وفي العقد الفريد لابن عبد ربه: قال إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد ابن زيد: بعث يحيى بن أكثم - وهو يومئذ قاضي القضاة - إلي وإلى عدة من أصحابي فقال: إن المأمون أمرني أن أحضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه، يفقه ما يقال له ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب فسمينا له عدة وذكر هو عدة حتى تم العدد الذي أراد (إلى أن قال) فدخلنا فإذا المأمون جالس على فراشه وعليه سواده وطيلسانه وعمامته، فلما استقر بنا المجلس تحدر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه ووضع قلنسوته ثم أقبل علينا فقال: إنما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك (إلى أن قال) إنما بعثت إليكم في المناظرة فمن كان به شئ من الخبيثين لم يفقه ما يقول فمن أراد منكم الخلاء فهناك وأشار بيده، فدعونا له ثم ألقى مسألة من الفقه فقال: يا يحيى قل وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى ثم الذي يلي يحيى ثم الذي يليه حتى أجاب آخرنا في العلة وعلة العلة، وهو مطرق لا يتكلم حتى إذا انقطع الكلام التفت إلى يحيى فقال: أصبت الجواب وتركت الصواب في العلة، ثم لم يزل يرد على كل واحد منا مقالته ويخطئ بعضنا ويصوب بعضنا حتى أتى على آخرنا.
ثم قال: إني لم أبعث إليكم في هذا، ولكني أحببت أن أبسطكم أن الخليفة أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل، فقال: إن الخليفة يدين الله على أن " علي بن أبي طالب " خير خلفاء الله بعد رسوله (صلى الله عليه وآله) وأولى الناس بالخلافة له، قال إسحاق: فقلت: إن فينا من لا يعرف ما ذكر الخليفة في علي وقد دعا الخليفة للمناظرة، فقال: يا إسحاق اختر إن شئت سألتك وإن شئت سل.
قال إسحاق: فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألك، قال: سل، قلت: من أين قال الخليفة أن " علي بن أبي طالب " أفضل الناس بعد رسوله وأحقهم بالخلافة بعده؟
قال: يا إسحاق، خبرني عن الناس بم يتفاضلون حتى يقال: فلان أفضل من فلان؟
قلت: بالأعمال الصالحة، قال: صدقت (إلى أن قال) يا إسحاق فانظر ما رواه لك