قاموس الرجال - الشيخ محمد تقي التستري - ج ١٠ - الصفحة ١٢٤
لا " أستشيره " بالشين؛ ونقله في باب المشورة أيضا غلط، وإنما المراد: أن معاوية من دهائه يحرك ما في نفس من كان واجدا عليه فيفرغ قلبه، ويحلم عنه فيجعله بذلك صديقا له.
وفي العقد: قال معاوية: لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل له:
وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها (1).
وفي الجهشياري: مر معاوية على سعد بن أبي وقاص في طريق مكة بعد صلاة الصبح ومعه أهل الشام، فوقف وسلم عليه فلم يرد عليه سعد السلام، فقال معاوية لأهل الشام: أتدرون من هذا؟ هذا سعد صاحب النبي، لا يتكلم حتى تطلع الشمس، فبلغ سعدا كلامه، فقال: ما كان ذلك والله مني على ما قال، ولكن كرهت أن أكلمه (2).
وروى سنن أبي داود: أن معاوية خرج على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس، فإني سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار (3).
قلت: عقد أبو داود السفيه بابا لهذا الخبر الذي افتعله معاوية سياسة ليبطل به عدم اكثراث ابن الزبير به تعمدا، كما افتعل لعدم اكتراث سعد به حتى ما أجاب سلامه بأنه لا يتكلم إلى الطلوع، فكذبه سعد. وكيف لم يتفطن أبو داود بكون الخبر من وضع معاوية؟ وقد روى قبله في الباب 1863: أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ أرسل إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء على حمار أقمر، فقال للأنصار:
قوموا إلى سيدكم (4).
ومن الغريب! أنهم وضعوا خبرا لتصحيح خبر معاوية، فروى السنن بعد ذاك الخبر عن أبي أمامة قال: خرج علينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متوكئا على عصا، فقمنا إليه،

(1) العقد الفريد: 4 / 333.
(2) الوزراء والكتاب: 43.
(3) سنن أبي داود: 4 / 358.
(4) سنن أبي داود: 4 / 355.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»