كيف وهذه الكتب الأصولية - قديما وحديثا - ترى أنها ذكرت أن العمل بالظن حرام ما لم يقم دليل على حجيته. ونسبة الحكم المظنون إلى الشارع حينئذ تشريع محرم. وفد ذكروا موارد خاصة قام الدليل فيها على حجية الظن، وموارد وقع الخلاف فيها ولم يذكر في شئ من الموردين الظنون الرجالية، ولم تنسب حجية الظن الرجالي إلى أحد من الاعلام، فضلا عن أن يدعى الاجماع عليها.
وهذه الكتب الفقهية الاستدلالية من زمان الشيخ إلى زمان الفاضلين المحقق والعلامة ومن بعدهما: لا تجد فيها من يدعي ذلك أبدا. وإنما صدر هذا القول من بعض متأخري المتأخرين من دون ذكر منشئه. ولا يبعد أن منشأ ذلك تخيله أن باب العلم منسد في باب الرجال، فينتهي الامر إلى العمل بالظن لا محالة.
ولعل مدعي الاجماع على حجية الظن الرجالي استند إلى هذا أيضا، بتخيل أن حجية الظن - على تقدير انسداد باب العلم - إجماعية.
ويرد على هذا القول:
أولا: أن باب العلم بالتوثيقات وما بحكمها غير منسد، بناء على ما نبين من جواز الاعتماد على أخبار الاعلام المتقدمين.
وثانيا: أن انسداد باب العلم في كل موضوع لا يوجب حجية الظن في ذلك الموضوع. وإنما العبرة في حجية الظن من باب الكشف أو الحكومة بانسداد باب العلم بمعظم الأحكام الشرعية، فان ثبت ذلك كان الظن بالحكم الشرعي - وإن نشأ من الظن الرجالي - حجة، سواء أكان باب العلم في الرجال منسدا أم لم يكن، وإذا كان باب العلم والعلمي بمعظم الاحكام مفتوحا لم يكن الظن الرجالي حجة، سواء أكان باب العلم بالرجال منسدا أم لم يكن.
وعلى الجملة، فدعوى حجية الظن الرجالي بخصوصه - فضلا عن دعوى الاجماع عليها - باطلة جزما.