(قلنا) لا يجوز مثل هذا الكلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان على سبيل التواضع، لاشتماله على خبر غير مطابق للواقع، لأنه لو ابتلى بما ابتلى به يوسف لكان أصبر من يوسف وأولى منه بالحزم والحكمة، وبكل ما يتحصحص به الحق، وهيهات أن يجيب الداعي بمجرد أن يدعوه إلى الخروج فتفوته الحكمة التي آثرها يوسف إذ قال لرسول الملك حين أخلي سبيله: ارجع إلى ربك - أي صاحبك - فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن أن ربي بكيدهن عليم، قال - يعني الملك -: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين.
فما خرج من السجن حتى تجلت براءته كالشمس الضاحية ليس دونها سحاب ولئن اخذ يوسف بالحزم فلم يسرع بالخروج من السجن حتى تم له ما أراد، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد مثل الصبر والأناة والحلم والحزم والعزم والحكمة والعصمة في كل أفعاله وأقواله وهو الذي لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله على أن يترك الامر ما تركه.
وكان الأولى أن يقول أبو هريرة في هذا المقام: ولو لبث رسول الله صلى الله عليه وآله في السجن أضعاف اضعاف ما لبث فيه يوسف ما توسل إلى خروجه منه بما توسل إليه يوسف إذ قال الذي ظن أنه ناج من صاحبي السجن - اذكرني عند ربك - أي صفني عند الملك بصفاتي وقص عليه قصتي لعله يرحمني ويتداركني من هذه الورطة (فأنساه الشيطان ذكر ربه) أي ان الشيطان أنسى الرجل أن يذكر يوسف لربه - أعني الملك - (فلبث في السجن بضع سنين) وكان نسيان الرجل ولبث يوسف في السجن بضع سنين انما كانا تنبيها له إلى أنه قد فعل غير الأولى إذ كان الأولى به أن لا يتوسل إلى رحمة الله بغير الله عز وجل كما هو المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد مني صلى الله عليه وآله بما هو أعظم محنة من سجن يوسف