* تنبيه * ظن أبو هريرة أن داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث) كانا متناقضين في الحكم فهان عليه تزوير تلك القصة الخيالية ولم يدر أنهما انما كانا على الصواب وان حكم كل منهما وعلمه انما كان من لدن رب الأرباب.
ومجمل قضيتهما أن غنما أصابت في الليل حرثا وكان كرما قد بدت عناقيده (1) فأكلته فترافع صاحب الحرث وأصحاب الغنم إلى داود عليه السلام فكان بمقتضى شرعه الموحى إليه من الله تعالى أن يحكم بالغنم لصاحب الحرث لان قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث، فلما أراد أن يحكم بذلك نسخة الله تعالى على لسان سليمان وكان شريكه في النبوة فأفهمه الله أن الحكم أصبح في مثل تلك الواقعة أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأصوافها ويدفع الحرث إلى أرباب الغنم يقومون عليه حتى يعود كهيئته قبل عبث الغنم فيه ثم يترادان.
جعل الله في هذا الحكم انتفاع صاحب الحرث بالغنم بإزاء ما فاته من الانتفاع بحرثه من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم وأوجب على أصحاب الغنم أن يعملوا في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان، فلما أفهم الله عز وجل سليمان ذلك رفعه إلى أبيه فعزم أبوه عليه ليحكمن بما أنزل الله عليه فحكم به.
هذا ملخص ما كان يومئذ بينهما لا تناقض فيه ولا اختلاف شأن كل حكمين عن الله تعالى نسخ ثانيهما الأول.
وأنا أتلو عليك من محكمات الفرقان ما يلمسك هذه الحقيقة قال تبارك وتعالى (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت (2) فيه غنم القوم وكنا