لذلك لم ينبس في هذا الموضوع يومئذ ببنت شفة حتى ذهب معظم الصحابة وفتحت الأمصار كالشام ومصر وإفريقيا والعراق وفارس والهند وغيرها، واسلم أهلوها جميعا، فدخل المسلمون في دور جديد قد نوه بنو أمية فيه باسم أبي هريرة، وأشادوا بذكره، فأطلقوا عنه ربقة الخمول، وكسوه نضرة بعد الذبول، فتسنى له حينئذ أن يقول ما شاء أن يقول، فكان يحدث العامة وسواد الناس بما يستوجب حبهم إياه وعطفهم عليه، فكان هذا الحديث مما تزلف به إلى ساسة الأمة وسوقتها، لما فيه من تأييد الخليفة المحبوب، تأييده لدى الرأي العام وجمهور المسلمين.
* (21 - أبو طالب أبى الشهادتين) * قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك، فأنزل الله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) اه.
وقال في مقام آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمه عند الموت: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فأبى، قال: فأنزل الله تعالى الحديث (1).
ان أبا طالب رضوان الله وبركاته ورحمته عليه قضى في مكة سنة عشر للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بل قضى سنة تسع، وقيل سنة ثمان قبل قدوم أبي هريرة إلى الحجاز تعشر سنين في أقل ما يفرض فأين كان أبو هريرة عن النبي وعمه صلى الله عليه وآله؟ وهما يتبادلان الكلام الذي أرسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه؟ نعوذ بالله ممن لم يكن لدينه ولا لعقله على لسانه رقيب