الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٨
ما قدروا على أكثر مما فعلوا ومن ذلك أنهم أتوا إلى حكم لم ينص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم على أن له سببا وهو تحريم البر بالبر متفاضلا فجعلوا له سببا وعلة وحرموا من أجله الحديد بالحديد متفاضلا وبيع الأرز بالأرز متفاضلا وبيع السقمونيا بالسقمونية متفاضلا ثم أتوا إلى حكم جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا، وأخبر أنه حكم بذلك من أجله، فعصوه واطرحوه وهو قوله عليه السلام أنه نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث لأجل الدافة فقالوا ليست الدافة سببا ولا يجب من أجلها ترك ادخار لحوم الأضاحي وهكذا يكون عكس الحقائق وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
قال أبو محمد فإن قال قائل أنتم تنكرون القول بالعلل وتقولون بالأسباب فما الفرق بين الامرين؟.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق إن الفرق بين العلة وبين السبب وبين العلامة وبين الغرض فروق ظاهرة لائحة واضحة وكلها صحيح في بابه وكلها لا يوجب تعليلا في الشريعة ولا حكما بالقياس أصلا، فنقول وبالله تعالى التوفيق.
إن العلة هي اسم لكل صفة توجب أمرا ما إيجابا ضروريا، والعلة لا تفارق المعلول البتة، ككون النار علة الاحراق، والثلج علة التبريد الذي لا يوجد أحدهما دون الثاني أصلا، وليس أحدهما قبل الثاني أصلا ولا بعده.
وأما السبب فهو كل أمر فعل المختار فعلا من أجله لو شاء لم يفعله، كغضب أدى إلى انتصار، فالغضب سبب الانتصار، ولو شاء المنتصر ألا ينتصر لم ينتصر، وليس السبب موجبا للشئ المسبب منه ضرورة، وهو قيل الفعل المتسبب منه ولا بد، وأما الغرض فهو الامر الذي يجري إليه مفاعل ويقصده ويفعله، وهو بعد الفعل ضرورة، فالغرض من الانتصار إطفاء الغضب وإزالته وإزالة الشئ هي شئ غير وجوده، وإزالة الغضب غير الغضب، والغضب هو السبب في الانتصار، وإزالة الغضب هو الغرض في الانتصار، فصح أن كل معنى مما ذكرنا غير المعنى الآخر فالانتصار بين الغضب وبين إزالته وهو مسبب للغضب وإذهاب الغضب هو الغرض منه.
وأما العلامة فهي صفة يتفق عليها الانسانان، فإذا رآها أحدهما علم الامر الذي
(١١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 ... » »»
الفهرست