الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣١
* (وهم يسألون) * بيان جلي أنه لا يجوز لاحد منا أن يقول قولا لا يسأل عنه، ولزمنا فرضا سؤال كل قائل من أين قلت كذا؟ فإن بين لنا أن قوله ذلك حكاية صحيحه من ربه تعالى وعن نبيه صلى الله عليه وسلم، لزمنا طاعته وحرم عليه التمادي في سؤاله، وإن لم يأت به مصححا عن ربه تعالى، ولا عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ضرب برأيه عرض الحائط، ورد عليه أمره متروكا غير مقبول معه، ولا مرضي عنه.
فهذا حكم السبب وفعله والعلامة والغرض والمعنى قد بينا كل ذلك غاية البيان ولم نقل إلا ما قاله الله ربنا عز وجل، وليست العبارة بالألفاظ المخالفة خلافا إذا حقق المعنى فلم يبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى العرب فقط، بل إلى أهل كل لغة من الإنس والجن، فلا بد ضرورة لكل أحد من عبارة يفهم بها كلام ربه تعالى، ومعنى مراده في الدين اللازم له، وإنما أوردنا هذا لئلا يتعلق جاهل فيقول: إن كلامك هذا ليس منصوصا في القرآن فأرينا، أن حقيقة مفهومه كلها، ومعناه الذي لا يتحمل كلامنا معنى غيره منصوص في القرآن نصا جليا ظاهرا وبالله تعالى التوفيق.
فاعلم الآن أن العلل كلها منفية عن أفعال الله تعالى وعن جميع أحكامه البتة، لأنه لا تكون العلة إلا في مضطر.
واعلم أن الأسباب كلها منفية عن أفعال الله تعالى كلها، وعن أحكامه. حاشا ما نص تعالى عليه أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الغرض في أفعاله تعالى وشرائعه فليس هو شيئا غير ما ظهر منها فقط، والغرض في بعضها أيضا أن يعتبر بها المعتبرون، وفي بعضها أن يدخل الجنة من شاء إدخاله فيها، وأن يدخل النار من شاء إدخاله فيها.
وكل ما ذكرنا من غرضه تعالى في الاعتبار، ومن إدخاله الجنة من شاء ومن إدخاله النار من شاء، وتسبيبه ما شاء لما شاء، فكل ذلك أفعال من أفعاله، وأحكام من أحكامه لا سبب لها أصلا، ولا غرض له فيها البتة، غير ظهورها وتكوينها فقط * (لا يسأل عما يفعل) * لولا أنه تعالى نص على أنه أراد منا الاعتبار وأراد إدخال الجنة من شاء، ما قلنا به، ولكنا صدقنا ما قال ربنا تعالى، وقلنا ما علمنا ولم نقل ما لم نعلم.
فهذه حقيقة الايمان الذي تعضده البراهين الحسية والعقلية.
(١١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 1135 1136 ... » »»
الفهرست