الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٢
ودليل ذلك أن السبب والغرض لا يخلوان من أنهما مخلوقان لله تعالى، أو أنهما غير مخلوقين أصلا، أو أنهما مخلوقان لغيره، فمن جعلهما غير مخلوقين أصلا كفر، لأنه يجعل في العالم شيئا لم يزل، ومن قال: إنهما مخلوقان لغير كفر، لأنه يجعل خالقا غير الله تعالى، فثبت أنهما مخلوقان له تعالى وقد قام البرهان على أن كل ما دون الله تعالى فهو خلق الله، فإذا قد ثبت أن الغرض والسبب مخلوقان لله تعالى، فلا يخلو من أن يكون خلقهما لسبب أيضا، ولغرض أو لا لسبب ولا لغرض، فإن كان فعلها لسبب آخر، وغرض آخر، لزم أيضا فيهما مثل ذلك، حتى تنتهي بقائل هذا إلى إثبات معدودات ومخلوقات لا نهاية لها. وهذا كفر من قائله، وإن كان تعالى فعلهما لا لسبب ولا لغرض، فهذا هو قولنا إنه تعالى يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه، لا لسبب ولا لغرض، حاشا ما نص تعالى عليه فقط أنه فعله للغرض أراده، أو لسبب، وأما ما لم ينص ذلك فيه فإنا نقطع على أنه تعالى فعله كما شاء لا لغرض ولا لسبب، وأما ما لم ينص ذلك فيه فإنا نقطع على أنه تعالى فعله كما شاء لا لغرض ولا لسبب ولولا النصوص الواردة بذلك في بعض المواضع ما حل لمسلم أن يقول: إن الله تعالى فعل كذا لسبب كذا، ولا إن له عز وجل في فعل كذا إرادة كذا * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) *.
قال أبو محمد: ويقال لمن قال بالعلل وجعلها صفات في أشياء توجد فتشتبه بها، فيوجب ذلك أن يحكم لها بحكم واحد: إنك لا تعدم معارضا بصفات أخر توجب غير الاحكام التي أوجبتم، فإن أنتم أبطلتم حكم التشابه الذي يعارضكم به خصومكم فقد أقررتم أن الاتباع لا معنى له، ولا يوجب حكما، وليس قول خصومكم فيما أتوا به من ذلك بأولى بالسقوط من قولكم.
ومثال ذلك: أن تقولوا: لما أشبه النبيذ الخمر في أنه شديد ملذ مسكر وجب له التحريم من أجل ذلك، فيعارضكم خصومكم فيقولون: لما أشبه النبيذ المسكر العصير في أنه لا يفكر مستحله، وجب له التخليل من أجل ذلك، فإن أبطلتم التشبيه الذي أتى به خصومنا فقد أقررتم أن التشبيه لا يوجب حكما، وهذا عائدا على تشبيهكم الذي شبهتم ولا فرق.
(١١٣٢)
مفاتيح البحث: السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 1135 1136 1137 ... » »»
الفهرست