الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٠
أن معانيها مختلفة، وأن مسمياتها شتى، وحسمنا داء من أراد إيقاع اسم العلة في الشريعة على معنى السبب، فيخرج بذلك إلا ما لا يحل اعتقاده، من أن الشرائع شرعها الله تعالى لعلل أوجبت عليها أن يشرعها، أو إلى الفرية على الله تعالى في الادعاء أنه شرع عللا لم ينص عليها هو تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أذنا بها، ولا بد لأهل العلل من أحد هذين السبيلين. وكلاهما مهلك.
ولسنا ننكر أن يكون الله تعالى جعل بعض الأشياء سببا لبعض ما شرع من الشرائع، بل نقر بذلك ونثبته حيث جاء به في النص، كقوله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته وكما جعل تعالى كفر الكافر وموته كافرا سببا إلى خلوده في نار جهنم، والموت على الايمان سببا لدخول الجنة، وكما جعل السرقة بصفة ما سببا للقطع، والقذف بصفة ما سببا للجلد والوطئ بصفة ما للجلد والرجم، وكما نقر بهذه الأسباب المنصوص عليها، فكذلك ننكر أن يدعي أحد سببا حيث لم ينص عليه.
ولسنا نقول: إن الشرائع كلها لأسباب، بل نقول: ليس منها شئ لسبب إلا ما نص منها أنه لسبب، وما عدا ذلك فإنما هو شئ أراده الله تعالى الذي يفعل ما شاء، ولا نحرم ولا نحلل، ولا نزيد ولا ننقص، ولا نقول إلا ما قال ربنا عز وجل، ونبينا صلى الله عليه وسلم، ولا نتعد ما قالا، ولا نترك شيئا منه، وهذا هو الدين المحض الذي لا يحل لاحد خلافه ولا اعتقاده سواء. وبالله تعالى التوفيق.
وقد قال الله تعالى واصفا لنفسه: * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه وأن أفعاله لا يجزئ فيها لم...؟ وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شئ من أحكامه تعالى وأفعاله لم كان هذا فقد بطلت الأسباب جملة وسقطت العلل البتة إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمرا كذا لأجل كذا.
وهذا أيضا مما لا يسأل عنه فلا يحل لاحد أن يقول لم كان هذا السبب لهذا الحكم ولم يكن لغيره؟ ولا أن يقول: لم جعل هذا الشئ سببا دون أن يكون غيره سببا أيضا، لان من فعل هذا السؤال فقد عصى الله عز وجل، وألحد في الدين وخالف قوله تعالى: * (لا يسأل عما يفعل) * فمن سأل عما يفعل فهو فاسق فوجب أن تكون العلة كلها منفية عن الله تعالى ضرورة، وفي قوله تعالى:
(١١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 1134 1135 ... » »»
الفهرست