الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٥
وأيضا: فإن اللغة العربية أول من نطق بها إسماعيل، والخمر أقدم من كون إسماعيل في الأرض، لأنهما من الأشياء التي علم آدم أسماءها، قال تعالى * (وعلم آدم الأسماء كلها) * فعم تعالى ولم يخص فقد كانت الخمر على حالها من الاسكار والشدة وهي حلال وهي لا تسمى خمرا فظهر كذب هذا القائل وإثمه.
وأيضا فإن الخمر تسمى خمرا في كل لغة بغير اسم الخمر عندنا فما وجدنا ألسنتهم تلتوي لذلك ولا أحكامهم تنطوي ولا الخمر حلت لهم لأجل أن اسمها عندهم غير اسمها في اللغة العربية ولم نجد قط تلك العين المسماة خمرا إلا وهي مسكرة في كل وقت وفى كل أمة وفى كل مكان حاشا خمر الجنة فقط فبطل قولهم في العلل وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا: فإن العرب تسمي الخمر بخمسة وستين اسما ما وجدناها تضطر إلى ترك شئ منها، ولا اضطرت إلى وضعه، وقد بينا الكلام في كيفية أصل اللغات في باب مفرد من كتابنا هذا ولله الحمد.
وكذلك قالوا إن كون البر مطعوما محرما متفاضلا هو علة تسمية ذلك ربا والقول عليهم في ذلك كالقول في الخمر ولا فرق وبالله لا إله إلا هو التوفيق.
وقالوا العلة في الوجوب كون الرقبة في الظهار مؤمنة هي وجوب كونها سليمة الأعضاء كرقبة القتل.
قال أبو محمد وهذا تحكم فاسد واحتجاج للخطأ بالخطأ والدعوى بالدعوى ومثلهم في هذا القول كإنسان قال لي على زيد درهم فقيل له ألك بينة؟
فقال نعم فقيل وما هي؟ قال إن لي على عمرو درهما فقيل له: وما بينتك على أن لك على عمرو درهما؟ فقال بينتي على ذلك أن لي على زيد درهما فهو يريد يجعل دعواه صحة لدعوى له أخرى وكلتاهما ساقطة إذ لا دليل عليها وليس هذا الفعل من أفعال أهل العقول ودعواهم أن الرقبة في كلا الموضعين لا تجزى إلا أن تكون سليمة دعوى زائفة لا تصح فكيف أن يقاس عليها أن تكون إلا مؤمنة؟
(١١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1120 1121 1122 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 1130 ... » »»
الفهرست