الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨٠
القطع في أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم حرم أن يكون الصداق أقل من ثلاثة دراهم. ولما وجبت الكفارة على الوطئ عمدا في نهار رمضان، وجبت على الاكل عمدا في نهار رمضان، ولما حرم حلق الشعر في الرأس بغير ضرورة في الاحرام، حرم حلق العانة في الاحرام كما حرم مد بر بمدي بر نقدا، حرم مد شعير بمد سلت نقدا، وقال آخرون منكم: لا، ولكن حرم رطل حديد برطل حديد نقدا. وقال آخرون: لا، ولكن حرم أصل كرنب بأصل كرنب نقدا، ولما أبيح اتخاذ كلب الصيد والغنم بعد تحريمه أبيح ثمنه بعد تحريمه.
ولما أبيح الثلث في الوصية للموصي أبيح بيع الثمر قبل صلاحه إذا كان أقل من ثلث كراء الدار وسائر ما أوجبتموه قياسا، وحرمتموه قياسا، وأبحتموه من هذا الموجب لهذا كله؟ ومن هو المحرم لهذا كله؟ إذ لا بد لكل فعل من فاعل، ولكل تحريم من محرم، ولكل إيجاب من موجب، ولكل إباحة من مبيح. فإن قالوا:
الله تعالى ورسوله أباحا ذلك وحرماه وأوجباه كذبوا على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وجاهروا بالفرية عليهما، وهم لا يقدمون على أن ينسبوا ما حكموا فيه بقياسهم إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مع أنه إن أقدم منهم قليل الدين على ذلك أكذبه سائرهم، لأنه إنما سألناهم عن مسائل يخالف فيها بعضهم بعضا، ووقع حينئذ بأسهم بينهم، وكفونا مؤنتهم، فلم يبق بالضرورة إلا أن يحيلوا في التحريم والايجاب والإباحة على أنفسهم، أو على أحد دون الله تعالى، ودون رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما تراه بلا مؤنة ولا تكلف تأويل، إقرار بإحداث دين وشريعة لم يأت بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أذن بها الله تعالى.
فإن سألونا عن مثل هذا فيما أوجبناه أو حرمناه أو أبحناه بخبر الواحد العدل المسند؟ فلسنا نقنع بأن نقول لهم: إن هذا السؤال لازم لكم كلزومه لنا لأننا لا نتكثر بهم، ولا نبالي وافقونا في ذلك، أو خالفونا لكن نقول وبالله تعالى التوفيق: إن الله تعالى حرم وأوجب وأباح كل ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك في ذلك كما نقول فيما أمر الله تعالى به من قبول شهادة العدول في الاحكام وبالله تعالى التوفيق.
(١٠٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1075 1076 1077 1078 1079 1080 1081 1082 1083 1084 1085 ... » »»
الفهرست