الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٧٩
وكصوم رمضان دون شعبان، وكالحدث من أسفل، فيغسل له الأنواع، وكأنواع الزكاة وسائر الشرائع كلها، وليس أحد من القائلين بالقياس إلا وقد تركه في أكثر مسائله وسنبين من هذا إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب طرفا يدل على المراد.
وأما من براهين العقول فإنه يقال لهم: أخبرونا، أو شئ هو القياس الذي تحكمون به في دين الله تعالى؟. فإن قالوا: لا ندري، أو تلجلجوا، فلم يأتوا فيه بحد حاصر: أقروا بأنهم قائلون بما لا يدرون، ومن قال بما لا يدري فهو قائل بالباطل وعاص لله عز وجل إذ يقول: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * مع الرضا لنفسه بهذه الصفة الخسيسة التي لا تكون إلا في النوكي، وإن قالوا: حكم جامع بين شيئين بعلة يستخرجه، أو قالوا بكثرة التشابه، كانوا قائلين بما لا دليل على صحته، وبما لم يقل به قط صاحب ولا تابع، وإن قالوا: بما يقع في النفس كانوا شارعين بالظن، وفي هذا ما فيه.
وقد أقروا كلهم، بلا خلاف منهم، أنه جائز أن توجد الشريعة كلها أولها عن آخرها نصا، وأقروا كلهم، بلا خلاف من أحد منهم، أنه لا يجوز أن توجد الشريعة كلها قياسا البتة، ومن البراهين الضرورية عند كل ذي حس وعقل أن ما لزم الكل لزم البعض، فالشرائع كلها لا يمكن البتة، ولا يجوز أن توجد قياسا من أحد فبعضها لا يجوز أن يوجد قياسا، وليس هذا قياسا، ولكنه برهان ضروري كقول القائل: إن كان الناس كلهم أحياء ناطقين فكل واحد منهم حي ناطق، ولا يموه مموه فيقول: بعض الناس أعور وليس كلهم أعور، فليس هذا مما ألزمناهم في صفة لكن كل الناس ممكن أن يوجدوا عورا وليس ذلك بممتنع في البقية.
وأما أخذ الشرائع كلها قياسا فممتنع في البتة إذ لا بد عندهم من نص يقاس عليه، ولا هذا أيضا من قول القائل: لا يجوز أن يكذب الناس كلهم، وجائز أن يكذب بعضهم، بل كل أحد على حدته، فالكذب عليه ممكن، وليس كل شريعة على حدتها جائز أن توجد قياسا، وهذا بيان يوضح كل ما أرادوا أن يموهوا به في هذا المكان، وبرهان آخر وهو أنه يقال لأصحاب القياس: إذا قلتم لما حرم الله تعالى
(١٠٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1074 1075 1076 1077 1078 1079 1080 1081 1082 1083 1084 ... » »»
الفهرست