الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨٤
ويقال لهذا الجاهل المقدم: أخبرنا عنك أتقيس على خبر الواحد أم لا؟
فإن قال: لا، كذب وأفصح، وأريناهم خزيهم في قياسهم صداق النكاح على القطع في عشرة دراهم وهو خبر واهي ساقط، والآخرون منهم قاسوا على خبر في ذلك، وإن كان صحيح السند فهو خبر واحد، وأريناهم قولهم في تقويم المتلفات بالقيمة لا بالمثل على الخبر في عتق الشقص، ومدة الخيار في البيع على حديث المصراة، والاستطهار في المستحاضة على حديث المصراة، وهذا أكثر قياساتهم.
وإن قال: أقيس على خبر الواحد فضح نفسه وأبان عن جهله، وقلة ورعه في إقراره بأنه يقيس على ما هو أضعف من القياس وفي هذا غاية الجنون والتناقض، وهم يقولون إن الأصل أقوى من الفرع، والمقيس عندهم فرع، والمقيس عليه أصل، هذا ما لا يختلفون فيه، فإذا كان خبر الواحد هو المقيس عليه عندهم فهو الأصل، والقياس هو الفرع، فعلى قول هذين المذكورين إذا كان القياس أقوى من خبر الواحد فالفرع أقوى من الأصل وقد قالوا: إن الأصل أقوى من الفرع، وهذا تناقض فاحش وبناء وهدم ونعوذ بالله من الخذلان.
وأيضا فإنهم يتركون في أكثر أقوالهم ظاهر القرآن بخبر الواحد، ثم يتركون خبر الواحد للقياس، فقد حصل من كلامهم وعملهم أنهم غلبوا القياس على الحديث، وغلبوا الحديث على القرآن فقد صار القياس على هذا أقوى من القرآن ولا قياس البتة إلا على قرآن أو حديث وهذا كله تخليط، وسخنة عين وغباوة جهل وإقدام واستحلال لما لا يحل ولا يخفى على ذي بصر، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا: فهم كثيرا ما يقولون، فيما يرد عليهم من أقوال موقوفة على بعض الصحابة مما يوافق مما قلدوا فيه مالكا وأبا حنيفة، مثل هذا لا يقال بالقياس فيغلبونه على ما يوجبه القياس عندهم كقولهم فيمن باع شيئا إلى أجل، ثم ابتاعه بأقل إلى أقل من ذلك الاجل، وفي البناء في الصلاة على الرعاف والحدث، وفي مواضع كثيرة جمة، وهذا ترك منهم للقياس وتغليب للظن أنه خبر واحد على القياس، لأنهم لا يقطعون على أن هذه الأقوال توقيف، وإنما يظنون ذلك ظنا،
(١٠٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1079 1080 1081 1082 1083 1084 1085 1086 1087 1088 1089 ... » »»
الفهرست