الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٧٨
وهذا إجماع على ترك القياس، وأن لا حجة لاحد إليه حتى نقص من نقص بالغفلة المركبة في البشرية في التفصيل، والخطأ لم يعصم منه أحد بعد النبيين صلى الله عليهم وسلم، فإنما يوجد القياس ممن وجد منه على سبيل الخطأ والغفلة عن الواجب عليه، هي زلات علماء، كمن قال بالتقليد وما أشبه ذلك.
وأيضا فقد قلنا وبينا أنه لم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس، يعني باسمه وباليقين، فإنه يتكلم قط أحد منهم بلا شك ولا من التابعين بلا شك باستخراج علة يكون القياس عليها، ولا بأن القياس لا يصح إلا على جامعة بين الحكمين، فهذا أمر مجمع عليه، ولا شك فيه البتة، إلا عند من أراد أن يطمس عين الشمس، وهذا أمر إنما ظهر في القرن الرابع فقط مع ظهور التقليد، وإنما ظهر القياس في التابعين على سبيل الرأي والاحتياط والظن، لا على إيجاب حكم به، ولا أنه حق مقطوع به، ولا كانوا يبيحون كتابه عنهم.
وأيضا فقد وجدنا مسائل كثيرة جدا اتفقوا هم فيها، ونحن وجميع المسلمين على خلاف جميع وجوه القياس، وعلى ترك القياس كله فيها، ومسائل كثيرة جاء النص بخلاف القياس كله فيها، ولم نجد قط مسألة جاء النص بالامر بالقياس فيها، ولا مسألة اتفق الناس على الحكم فيها قياسا، فلو كان القياس حقا لما جاز الاجماع على تركه في شئ من المسائل، ولا جاء النص بخلافه البتة، فالاجماع لا يجوز على ترك الحق، ولا يأتي النص بخلاف الحق، وهذا إجماع صحيح على ترك القياس، وسنبين طرفا من المسائل التي ذكرنا.
ولعل قياس الورع يعارض هذا القول بأن يقول: قد جاء الاجماع على ترك بعض النصوص.
فليعلم الناس أن من قال ذلك كاذب آفك، وما جاء قط نص صحيح بخلاف نص صحيح السند متصل، وهو الحق عندنا لا ما عداه، وما جاء قط نص صحيح بخلاف الاجماع، فإن قال سوفسطائي: فقد جاء نص بخلاف نص قلنا، نعم، ينسخ له وهو نص على كل حال، ولم نذكر لكم قياسا خلاف قياسا، وإنما قلنا بأنه قد وجد إجماع على ترك جميع وجوه القياس، وورود نص مخالف لجميع وجوه القياس، وهكذا هي جميع الشرائع، ككون الظهر أربعا والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثا،
(١٠٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1073 1074 1075 1076 1077 1078 1079 1080 1081 1082 1083 ... » »»
الفهرست