الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨٢
قالوا: لا يكون صداق إلا ما تقطع فيه اليد، لأنه عضو يستباح كعضو يستباح فيقال لهم: وهلا قسمتموه على استباحة الظهر في جرعة خمر لا تساوي فلسا؟ فهو أيضا عضو يستباح، فما الذي جعل قياس الفرج على اليد أولى من قياسه على الظهر؟ وهو إلى الظهر أقرب منه إلى اليد، وليس يقطع الفرج كما لا يقطع الظهر؟.
وأما تعليلهم في الربا، فكل طائفة منهم قد كفتنا الأخرى إذ كل واحد منهم يبطل علة صاحبه التي قاس عليها، وهكذا في كل ما قاسوا فيه وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم: إنما نقيس في النصين المتعارضين فننظر أشبههما بما اتفق عليه في النصوص فنأخذ به.
قال أبو محمد: وهذا أمر قد تقدم إفسادنا له في باب الكلام في الاخبار وأحكمناه وبالله تعالى التوفيق. ولكننا نذكر ههنا من بعض قولهم ما لا غنى بهذا المكان عنه: وهو أنا نقول، هذا عمل فاسد، ولا مدخل للقياس ههنا، لان كل حديثين تعارضا، أو آيتين تعارضتا، أو كل حديث عارض آية، فليس أحد هذين النصين أولى بالطاعة من الآخر، ولا الذي يردون إليه حكم هذين النصين أولى بالطاعة له من كل واحد من هذين، وكل من عند الله تعالى، ولا يقوي النص إجماع الناس عليه، ولا يضعفه، اختلاف الناس فيه فقد أجمع على بعض الاخبار واختلف في آيات كثيرة. والنص إذا صح فالأخذ به واجب ولا يضره من خالفه، فسقط ما أرادوا في ذلك من رد النصين المتعارضين إلى نص ثالث، ووجب استعمال كل ذلك ما دام يمكن، فإن لم يمكن أخذ بالزائد لأنه شرع متيقن رافع لما قبله، ولم نتيقن أنه رفعه غيره. مع أنهم لم يفعلوا ما ذكروا بل جاء: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا وجاء: لعن السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الجمل فتقطع يده فلم يردوهما إلى الآية المتفق على ورودها من الله تعالى وهي: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * بل غلبوا: لا قطع إلا في ربع دينار وهو نص مختلف في الاخذ به، على الآية وعلى الحديث الآخر، ثم تناقضوا في حديث: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، فتركوه وأخذوا بظاهر الآية، وهذا خلاف ما فعلوا في آية القطع
(١٠٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1077 1078 1079 1080 1081 1082 1083 1084 1085 1086 1087 ... » »»
الفهرست