الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨٣
وكلا الحديثين صحيح وكلاهما مختلف فيه مع صحته، فإن عللوا أحدهما بأنه اختلف فيه الرواة فالآخر كذلك ولا فرق وأما حديث الحنفيين فيما تقطع فيه اليد فساقط جدا.
وقد قال بعضهم: إذا سألناهم عن معارضة قياسهم بقياس آخر، وتعليلهم بتعليل آخر، فما الذي جعل أحد القياسين أولى من الآخر؟ أو أحد التعليلين أولى من الآخر؟ ولا سبيل إلى وجود قياس لهم أو تعليل لهم تتعذر معارضتهما بقياس آخر أو تعليل آخر كما وصفنا فقال هذا القائل: العمل حينئذ في هذا كالعمل في الحديثين المتعارضين.
قال أبو محمد: فقلنا هذا باطل لان النصين أو الحديثين المتعارضين لا بد من جمعهما واستعمالهما معا، لان كليهما حق وواجب الطاعة إذا صحا من طريق السند، ولا يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، فإن تعذر هذا في الحديثين أو الآيتين أو الآية والحديث فالواجب الاخذ بالناسخ أو بالزائد إن لم يأت تاريخ يبين الناسخ منهما، لان الوارد بالزيادة شريعة من الله تعالى، لا يحل تركها، وليس يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، لأنه ليس فيهما نسخ أصلا. ولا يوجد في القياسين زيادة من أحدهما على الآخر في أكثر الامر، لان التعارض فيهما إنما هو يتعلق أحد القياسين بصفة، ويتعلق آخر إلا بأخرى، فبطل تمويه هذا القائل، وبقي الالزام يحسبه لا مخلص منه البتة. وبالله تعالى التوفيق.
وقد زاد بعض مقدميهم، ممن لم يتق الله عز وجل، ولا أبالي الفضيحة في كلامه، فقال: إن القياس أقوى من خبر الواحد ورأيت هذا لأبي الفرج المالكي، والمعروف بالأبهري واحتجا في ذلك بأن الخبر الواحد يدخله السهو وتعمد الكذب، وأما القياس فلا يدخله إلا خوف الخطأ في التشبيه فقط قالا:
فما يدخله عيب واحد أولى مما يدخله عيبان.
قال أبو محمد: وما يعلم في البدع أشنع من هذا القول ثم هو مع شناعته بارد سخيف متناقض.
(١٠٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1078 1079 1080 1081 1082 1083 1084 1085 1086 1087 1088 ... » »»
الفهرست