الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٦٨
حدثنا أحمد بن قاسم قال: نا أبي القاسم بن محمد بن قاسم، قال: نا جدي قاسم بن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي، نا نعيم بن حماد، نا عبد الله بن المبارك، ثنا عيسى ابن يونس، عن جرير - هو ابن عثمان - عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال.
قال أبو محمد: حريز بن عثمان ثقة، وقد روينا عنه أنه تبرأ مما أنسب إليه من الانحراف، عن علي رضي الله عنه، ونعيم بن حماد قد روى عن البخاري في الصحيح، وفي الأحاديث التي ذكرنا في هذا الفصل، وفيما قبل هذا، من أمره عليه السلام بأن يتركوا ما تركهم، وأن ينتهوا عما نهاهم، وأن يفعلوا ما أمرهم به ما استطاعوا كفاية في إبطال القياس لمن نصح نفسه.
وقد قال بعض أصحاب القياس: إنما أنكر في هذه الأحاديث من يقيس برأيه، وأما من يقيس على تشابه المنصوص فلم يذم.
قال أبو محمد: فقلنا لهم: من أين فرقتم هذا الفرق؟ وهل رددتموها على الدعوى المفتراة الكاذبة شيئا؟ وقولكم هذا من أشد المجاهرة بالباطل.
وقد وجدنا للصحابة فتاوى كثيرة بالرأي يتبرؤون فيها من خطأ، إن كان إلى الله تعالى، ولا يوجدون شيئا منها دينا، ولا يقولون إنه الحق، بل يذمون القول بالرأي في خلال ذلك، خوف أن يظن ظان أنه منهم على سبيل الايجاب والقطع بأنه حق، فمن تعلق بالرأي هكذا فله متعلق. وأما القياس الذي ذكر هذا القائل على التعديل، واستخراج، علة الشبه، فما نطق بذلك قط أحد من الصحابة، ولا قال به، فالذي فر إليه أشد مما فر عنه. وبالله تعالى التوفيق.
وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، وعمن بعدهم إبطال القياس نصا. كالذي ذكرنا عن أبي هريرة من قوله لابن عباس: إذ أتاك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال. وهذا نص من أبي هريرة على إبطال القياس.
(١٠٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1063 1064 1065 1066 1067 1068 1069 1070 1071 1072 1073 ... » »»
الفهرست