بمقدماته الاختيارية مما يرتفع به الجبر ويكون معه الاختيار المعتبر في التكليف محفوظا باقيا موجودا فلم يتشبث في تصحيح العقوبة بإسناد الفعل بالآخرة إلى الشقاوة والسعادة الذاتيتين فان الاختيار المحفوظ كما أنه يصحح التكليف فكذلك يصحح العقوبة وعلى كل حال الحق في دفع شبهة الجبر من أصلها أن يقال ان الأفعال الاختيارية التي هي تحت التكليف ويترتب عليها الثواب والعقاب في قبال ما يصدر عن العبد لا عن الاختيار كالأفعال الصادرة عنه في حال النوم أو الجنون أو الإغماء ونحو ذلك ليست هي معلولة عن إرادة الله التكوينية كي يلزم الجبر بل انما هي معلولة عن نفس إرادة العبد فالكفر والعصيان والطاعة والإيمان إنما تصدر عنه بسوء اختياره أو بحسن اختياره لا بإرادة الله التكوينية بحيث أراد الله تعالى فكفر العبد وعصى أو أراد الله جل وعلا فأطاع العبد وآمن (وأما قوله تعالى) وما تشاؤن إلا أن يشاء الله فالظاهر أنه من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم فلا يتبعها إلا الذين في قلوبهم زيغ ابتغاء الفتنة كما في الآية (بل لا يبعد) أن يكون المراد من مشيته تعالى في المقام اذنه جل وعلا فقوله تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله أي وما تشاؤن إلا أن يأذن الله تبارك وتعالى بمعنى أنه لو شاء لمنع الكافر أو العاصي عن المشية ولم يشأ الكفر أو العصيان ولكنه يأذن ويمهل فيكفر الكافر ويعصى العاصي بسوء اختيارهما بعد إتمام الحجة عليهما والبيان ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار (ان قلت) نعم ولكن نفس إرادة العبد غير اختيارية له فإنها لو كانت اختيارية لكانت بإرادة أخرى فيتسلسل فإذا كانت غير اختيارية كان الفعل المستند إليها غير اختياري (قلت) كلا فان اختيارية الأفعال تكون بالإرادة فكيف يعقل أن تكون نفس الإرادة هي غير اختيارية وليست اختياريتها
(١٩٨)