باعتبار شاغليته لمتعلقه فإذا فرضنا عدم تنجزه للمكلف لعدم وصوله ومعذوريته في مخالفته فكيف يمنع عن فعلية الحكم الآخر ويكون مزاحما له مثلا إذا شككنا في تنجس المسجد فعدم تنجز التكليف بإزالة النجاسة يوجب فعلية التكليف بالصلاة لمقدوريته حينئذ فكيف يمكن ان يقال إن جريان البراءة في المقام مشروط بعدم اثباته لحكم آخر (واما الشق الثالث) فيفرق فيه بين الأصول التنزيلية وغيرها فإن كان الأصل النافي من الأصول المحرزة كالاستصحاب فحيث انه يحرز به العدم حال الشك فلا محالة يترتب عليه احكامه الشرعية ولو من جهة احراز بعض الموضوع بالأصل والآخر بالوجدان وان لم يكن كذلك بل كان أصلا غير محرز كاصالة البراءة الغير المترتب عليها الا المعذورية وعدم تنجز التكليف فحيث انه لا يحرز بها الواقع حتى في ظرف الشك فلا محالة لا يترتب عليه احكامه (واما الشق الرابع) فالأصل الغير المحرز يشترك فيه مع المحرز في جواز الاكتفاء به في ثبوت حكم آخر إذ المفروض احراز الموضوع وهو عدم الحكم بوجوده التنجزي بكل منهما على حد سواء * (المبحث الرابع في الاستصحاب) * ولا بد لنا في تنقيحه من تقديم مقدمات (الأولى) في بيان تعريفه وقد عرف بتعاريف كثيرة لا ينبغي التعرض لها ولما يرد عليها إلا بنحو الإشارة إذ قل ما يوجد في الكتب العلمية تعريف حقيقي يكون جامعا ومانعا من كل الجهات وليعلم قبل ذلك ان البحث عن الحجية قد يكون بمعنى ان موضوع الحجية أمر موجود خارجي مفروغ عن وجوده فيبحث عن حجيته كالبحث عن حجية خبر الواحد والشهرة ونحوهما وقد يكون بمعنى ان موضوع الحجية أمر لو كان موجودا لكان حجة لا محالة فالبحث عن حجيته بحث عن أصل وجوده لعدم امكان التفكيك بينهما خارجا وهذا كالبحث عن حجية المفاهيم ونحوها فان المفهوم على تقدير وجوده ودلالة اللفظ عليه يكون حجة كالمنطوق لا محالة فالبحث عن حجيته بحث عن أصل وجوده في الحقيقة واما البحث عن حجية الأصل العلمي كالاستصحاب فلا يكون ملحقا لا بالقسم الأول وهو واضح ضرورة ان الأصل العلمي ليس الا عبارة عن تعبد الشارع بأحد طرفي الشك تعيينا أو تخيير أو هو ليس مفروض الوجود في ظرف الشك حتى يبحث عن حجيته ولا بالقسم الثاني وإن كان أقرب إليه إذ موضوع الحجية فيه كدلالة اللفظ على المفهوم أمر مغاير للحجية مصداقا وإن كان لا ينفك عنها خارجا وان أمكن التفكيك بينهما عقلا وهذا بخلاف البحث عن الحجية في الأصول العملية فان الحجية فيها عين التعبد الشرعي وغير قابل للتفكيك عنه ولو عقلا
(٣٤٢)