لعدم تعدي الحكم من عنوان إلى عنوان متأخر عنه رتبة (بل وكذا) الامر في الإطاعة الحقيقية والعصيان الحقيقي، ولا تندفع شبهة اجتماع المثلين أو الضدين فيهما الا بما ذكرنا (وبهذا البيان) أيضا تندفع شبهة اجتماع المثلين في نحو النذر وغيره من العناوين المأخوذة جهة تعليلية للحكم، حيث إنه بمقتضى طولية الحكمين نلتزم بالجمع بينهما بلا ورود محذور في البين، ومن غير أن نلتزم بالتأكد أيضا في أمثال المقام كما أفيد، كيف وان التأكد يقتضي الاتحاد في الوجود، ومثله ينافي طولية الحكمين بنحو يتخلل بينهما الفاء الموجب للمغايرة، إذ في مثله يستحيل الاتحاد فكيف يتصور التأكد فتدبر.
(ثم إنه قد يتوهم) إشكال آخر على ما ذكرنا من قبح التجري و استحقاق العقوبة عليه، بتقريب ان اتصاف كل شئ بأي عنوان بالحسن أو القبح الموجبين للمثوبة والعقوبة فرع اختيارية ذلك العنوان، إذ يأبى العقل عن تحسين ما لا يطاق أو تقبيحه واستحقاق المثوبة أو العقوبة عليه، وهي غير متصورة في المقام، لان عنوان التجري أو مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان لا يكون اختياريا بحيث يقصده الفاعل، لامتناع التفات الفاعل إليهما حين عمله، والا ينقلب عن كونه متجريا ومقدما على مقطوع المبغوضية بالقطع المخالف بهذا العنوان، ومعه يستحيل اتصافه بالقبح الموجب لاستحقاق العقوبة (ولكنه يندفع) بما أشرنا إليه سابقا من أن التقبيح و العقوبة انما يكونان على عنوان التمرد والطغيان وإبراز الجرأة على المولى الذي هو جامع بين التجري والعصيان، لا على خصوص عنوان التجري أو العصيان، كي يقال إن الأول من جهة الغفلة عنه غير اختياري، والثاني غير متحقق بالفرض، ومن المعلوم بداهة كون هذا العنوان الجامع مما يلتفت إليه المتجري حين اقدامه، فان القادم على ارتكاب مقطوع المبغوضية قادم على هتك المولى وعلى الطغيان عليه، غاية الأمر يتخيل تحقق هذا العنوان في ضمن العصيان لغفلته عن الفرد الآخر وفي الواقع كان متحققا في ضمن فرد اخر و هو التجري، ومن المعلوم ان مثل هذه الغفلة عن فرد الجامع مع الالتفات إلى نفسه غير ضائرة بالتقبيح واستحقاق العقوبة عليه كما هو ظاهر، فتمام الخلط انما هو في جهة تخيل كون مناط التقبيح والعقوبة خصوص عنوان العصيان والتجري