وإن كان الحمل على الوجود الساري من جهة خصوصية في النواهي تقتضي الحمل على ذلك على خلاف ما اقتضته الحكمة، فهي منفية بالفرض من جهة وضوح ان قضية النهي لا تكون الا الزجر عن تلك الطبيعة التي تعلق بها الامر مقيدة كانت أو مطلقة ومجرد الاختلاف بينهما بالايجاب والسلب أيضا غير موجب للتفرقة المزبورة، كما لا يخفى.
وقد أجيب عن ذلك بوجوه غير نقية عن الاشكال: منها ان منشأ الحمل على الوجود الساري في النواهي من جهة كون طبع المفسدة في القيام بالشئ كلية قيامها به بوجوده الساري في ضمن تمام الافراد بخلافه في الأوامر حيث إن طبع المصلحة في قيامها بالشئ قد يكون بصرف وجوده وقد يكون بوجوده الساري، وفيه ما لا يخفى فإنه بعد ما يتصور في العرفيات قيام المفسدة أيضا بصرف وجود الشئ كما في أكل الفوم وأكل الأشياء المضرة التي لا يفرق فيها بين القليل والكثير والدفعة والدفعات لا مجال لدعوى هذه الكلية حيث أمكن في النواهي الشرعية أن تكون المفسدة فيها على نحو صرف الوجود.
ومنها: دعوى كونه من جهة الغلبة حيث إن كل ما يرى من النواهي يرى كونه من قبيل الوجود الساري دون صرف الوجود، وفيه أيضا انه وإن كان لا سبيل إلى إنكار ذلك الا ان الكلام في ذلك النهي الصادر في بدو الشريعة بأنه ما وجه حمله عند الاطلاق وعدم القرينة على الوجود الساري على خلاف الأوامر.
ومنها: ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة اقتضاء الاطلاق ومقدمات الحكمة، نظرا إلى دعوى اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة باختلاف خصوصيات الموارد وعدم كونها على حد سوأ في الجميع، وان من الخصوصيات الموجبة لاختلاف نتيجة الاطلاق خصوصية المورد بحسب الايجاب والسلب فتوجب هذه الخصوصية للحمل على صرف الوجود في الأوامر وعلى الوجود الساري في النواهي.
وفيه ان ما ذكر من اختلاف نتيجة الاطلاق والحكمة بحسب اختلاف خصوصيات الموارد متين جدا ولكنه ليس منه الاختلاف بحسب الايجاب والسلب جدا، فان مثل هذه الجهة لا توجب اختلافا بينهما فيما هو قضية الاطلاق في المتعلق الواحد في مثل قوله اضرب وقوله لا تضرب، كما هو واضح.
ومنها: ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة كونه مقتضى إطلاق الهيئة والطلب فيها، بدعوى ان مقتضى إطلاق الهيئة والطلب في كل من الأمر والنهي