واما شبهة الأوامر الامتحانية فنقول في الجواب عنها: بان الأوامر الامتحانية على قسمين: الأول ما لا يكون في متعلقه مصلحة بوجه من الوجوه لا بعنوانه الأولى ولا بعنوانه الثانوي وهذا نظير ما لو كان الامر بالايجاد لمحض امتحان العبد وفهم انه هل كان بصدد الإطاعة والامتثال أم لا، الثاني ما يكون مصلحة في متعلقه بالعنوان الثانوي وان لم يكن فيه مصلحة بالعنوان الأولي وهذا نظير ما لو كان الغرض هو امتحان العبد فيما يصدر منه من العمل كما في أمر العبد بصنع الغليان والشاي مثلا لاختباره في أنه ماهر في ذلك لكي ينتفع به عند ورود الضيف عليه أو انه لا يكون له المهارة فيه فإنه في هذا الفرض وان لم يكن في متعلق امره وهو الغليان مصلحة بعنوانه الأولي بل ولعله كان فيه مفسدة لما كان للمولى من وجع الصدر بنحو يضر به شرب الغليان والشاي ولكنه بالعنوان الثانوي كان فيه المصلحة وبذلك صار متعلقا لغرضه.
وبعد ذلك نقول: بان الأوامر الامتحانية ما كان منها من قبيل الثاني فنلتزم فيها بعدم انفكاكها عن إرادة العمل حيث نقول في مثلها بتعلق الإرادة الحقيقة من المولى بإيجاد العمل من المأمور وانه أي المأمور يستحق العقوبة على المخالفة فيما لو خالف. واما ما كان منها من قبيل الأول الذي فرضنا خلو المتعلق عن المصلحة بقول مطلق حتى بالعنوان الثانوي فمثلها وإن كان خاليا عن الإرادة الحقيقية و لكنه نحن نمنع كونها طلبا وامرا حقيقيا أيضا حيث نقول بكونها حينئذ طلبا وامرا صوريا لا حقيقيا، ومن ذلك أيضا نمنع موضوعية مثل هذه الأوامر لحكم العقل بوجوب الإطاعة والامتثال وانه لا يكاد يحكم العقل فيها بوجوب الإطاعة، ولذلك أيضا ترى ان المولى كان في كمال الجهد بان لا يطلع العبد بواقع قصده وكون امره لمحض امتحانه، واما نفس الامتحان الذي هو الغرض من هذا البعث فهو أيضا غير متوقف على الامر الحقيقي بل هو يترتب بمحض تخيل العبد كونه أمرا حقيقيا ناشئا عن إرادة جدية متعلقة بالعمل وان لم يكن كذلك بحسب الواقع ونفس الامر بل كان أمرا صوريا، كما هو واضح. وعلى هذا فما تخلف الطلب عن الإرادة في شئ من الأوامر الامتحانية كما توهمه الأشعري، فإنه في مورد كان الطلب طلبا حقيقيا قد عرفت عدم انفكاكه أيضا عن الإرادة الحقيقية المتعلقة بإيجاد العمل، وفي مورد لا يكون فيه إرادة حقيقية متعلقة بالعمل فلا يكون الطلب أيضا طلبا حقيقيا بل طلبا صوريا، فيبطل حينئذ دعوى الأشعري من مغايرة الطلب مع الإرادة وكان التحقيق