فإنه قد يتعلق بالأول وقد يتعلق بالثاني، فيسمى بالاعتبار الأول تنزيلا كالبناء على كون الشك يقينا أو العدم وجودا وكالبناء على كون الأكثر موجودا أو الموجود هو الأكثر، وبالاعتبار الثاني قصدا، وعند تعلقه بما ليس في الشرع تشريعا ونحو ذلك ويشهد لما ذكرنا ملاحظة كلماتهم في باب التصديق المعتبر في الايمان بأنه ليس مجرد العلم والمعرفة بل هو فعل جناني معبر عنه بالفارسية ب (گردن دادن) و (گرويدن) و (باور كردن) فراجع كلماتهم.
وحينئذ نقول بان مثل هذا البناء والقصد لما كان قابلا للتعلق كما في بناء الغاصب على ملكية مال المغصوب في مقام البيع وكالبناء على ربوبية بعض المخلوقين كالبناء على جزئية شئ للواجب في باب التشريع، ومن جهة اختياريته كان قابلا لان يكون لصلاح في نفسه، وأمكن أيضا ان يكون محكيا للامر موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال، فلا محالة أمكن توجيه كلماتهم الفاسدة بحمل الطلب في كلماتهم على مثل هذا البناء والقصد، والإرادة على تلك الكيفية النفسانية بل عليه لا مجال للانكار عليهم أيضا بأنا لا نجد في أنفسنا عند طلب شئ غير العلم بالمصلحة والإرادة والحب والبغض لما عرفت من وجود أمر آخر في النفس يكون هو البناء والقصد. وحينئذ فلو ادعى القائل بالمغايرة بأن ما هو المسمى بالطلب عبارة عن مثل هذا القصد الذي هو بالضرورة غير الإرادة لا يمكننا المسارعة في الرد عليهم بعدم وجدان أمر وراء الإرادة والعلم والحب والبغض بل ولئن سلم مبانيهم الفاسدة لا مفر عن الالتزام بمقالتهم من المغايرة بين الطلب والإرادة. وحينئذ فاللازم هو إبطال أصل تلك المباني الفاسدة التي هي عبارة عن إنكار التحسين والتقبيح العقليين، وعدم جواز انفكاك الإرادة عن المراد، وعن شبهة الأوامر الامتحانية التي أوجب مصيرهم إلى كون الامر لصلاح في نفسه لا متعلقة، وشبهة كون العباد مجبورين في أفعالهم الموجب لعدم إمكان تعلق الإرادة بفعلهم.
فنقول: اما الأول فإبطاله لا يحتاج إلى البرهان بعد ثبوته بالوجدان وإن كان إيكال من لا وجدان له إلى الوجدان غير خال عن المصادرة لكن تفصيله موكول إلى محله، ونتيجة إبطال هذه المقدمة انما هو نفى الامر حاكيا عن البناء والقصد كما وجهنا به كلامهم، وذلك انما هو لوضوح انه لا يرى العقل حسن العقوبة على المخالفة بمحض كون المحكي بالامر هو البناء والقصد الخالي عن الإرادة، بل في مثل عند فرض الخلو عن