نهاية الأفكار - تقرير بحث آقا ضياء ، للبروجردي - ج ١ - الصفحة ١٦٩
المفروض ان المقدار الذي تعلق الإرادة بحفظه انما هو حفظ المرام في الجملة بسد باب عدمه من ناحية مبادئ حكم عقل المأمور بالإطاعة والامتثال لا حفظه بقول مطلق وهو يتحقق بإبراز إرادته وإظهارها بأمره وطلبه وبعثه بقوله افعل كذا، ومن المعلوم بداهة انه على هذا أيضا لا تخلف لها عن المراد من جهة انه بإبراز إرادته تحقق ما هو موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة وانسد المقدار الذي كان المولى بصدد حفظه من جهته، وحينئذ فلا يكاد يضر مخالفة الكفار وأهل العصيان في الواجبات والمحرمات، إذ لا يستلزم مخالفتهم تخلف إرادته سبحانه عن مراده، كما هو واضح.
وحينئذ فتمام الخلط والاشتباه نشأ عن الخلط بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية ومقايسة إحداهما بالأخرى، فحيث ان الإرادة التكوينية يكون ترتب المراد عليها قهريا نظرا إلى تعلقها بحفظ وجوده بقول مطلق حتى من ناحية الأضداد والمزاحمات، تخيل ان الإرادة التشريعية أيضا مثلها في عدم الانفكاك عن المراد، وحينئذ فمن جهد مخالفة الكفار وأهل العصيان استشكل عليه الامر فالتزم فرارا عن الاشكال بالمغايرة بين الطلب والإرادة وان الله سبحانه وان أمر الكفار بالايمان وطلبه منهم ولكنه لم يرد منهم الايمان. و لكنك قد عرفت وضوح الفرق بينهما وانه لا مجال لمقايسة إحداهما بالأخرى، فتأمل تعرف حقيقة الحال في أردتك صدور حمل من عبدك من حيث كونك تارة بصدد حفظ مرامك وسد جميع أبواب عدمه حتى من ناحية شهوة عبدك ولو بضربك إياه وجبره على الايجاد ولو بأخذ يده ونحو ذلك، وأخرى في مقام حفظه من ناحية أمرك إياه وإبراز إرادتك باعتبار قيام المصلحة بالوجود في ظرف صدوره عن العبد عن إرادته واختياره لا مطلقا مع صحة مؤاخذتك إياه لو أمرته فخالف ولم يطع، وهذا واضح لا سترة عليه.
واما صحة طلبه سبحانه الايمان والعمل بالأركان منهم حينئذ مع علمه الفعلي بعدم صدور الايمان منهم لعدم اختيارهم الايمان و إرادتهم العلم بالأركان، فلأجل إعلامهم بما في الفعل من الصلاح الراجع إلى أنفسهم ولكي يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولئلا يكون للناس على الله حجة بل كان له سبحانه عليهم حجة بالغة وانه سبحانه لم يكن ليظلمهم بل هم باختيارهم عدم الإطاعة يظلمون، وفي الحديث (ان أظلم الناس من يظلم على نفسه).
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»