المولى من جهة استقلال العقل حينئذ بلزوم الاتيان والاطاعة وعدم جواز المخالفة بمحض عدم إبراز المولى إرادته وعدم امره وبعثه نحو المراد، كما هو واضح. فتمام المقصود من هذا الاطناب انما هو لزوم عدم الاعتناء بمثل هذا المانع وان وجوده كعدمه بنظر العقل فيما هو همه من لزوم الإطاعة وحرمة المخالفة.
نعم ما كان منها أي من الموانع من قبيل الأول الذي كان مانعا عن تأثير المصلحة في أصل الإرادة خاصة أو فيها وفي ما هو من مباديها من الرجحان والمحبوبية، كما في مسألة الضد المبتلى بالأهم ومسألة الاجتماع بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي، حيث إنه في الأول يؤثر المانع في عدم تعلق الإرادة بالمهم وفي الثاني في عدم الرجحان والمحبوبية الفعلية، ففيها لا مجال لوجوب الاتيان وحرمة المخالفة، من دون فرق بين ان يكون المانع راجعا إلى المكلف والمأمور كما في المثال حيث كان المانع عن توجه الإرادة الفعلية نحو الضدين هو عدم قدرة المأمور على الامتثال، أو كان المانع راجعا إلى المولى. كما لو لاحظ المولى في عدم إرادة الفعل الذي فيه صلاح مصلحة أهم كانت في نظره من مثل مصلحة التسهيل على العباد على ما ينبئ عنه مثل قوله صلى الله عليه وآله (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك) حيث إنه يستفاد منه ان المصلحة الكائنة في السواك مصلحة ملزمة ولكنها لمزاحمتها لمصلحة التسهيل رخص الشارع في تركه وما أوجبه على المكلفين.
وعلى ذلك ربما يترتب أيضا مبنى إنكار قاعدة الملازمة المدعاة بين حكم العقل والشرع، إذ على هذا البيان يتوجه على القاعدة المزبورة ان مجرد درك العقل حسن الشئ أو قبحه لا يوجب كشف حكم شرعي على طبقه بالوجوب أو الحرمة من جهة احتمال مزاحمة تلك المصلحة بمصلحة أخرى في نظر الشارع أهم ولو كانت هي مصلحة التسهيل أوجبت تلك المصلحة الترخيص على خلاف ما يقتضيه مصلحة الفعل. وحينئذ فمع هذا الاحتمال كيف يمكن كشف الحكم الشرعي من الوجوب أو الحرمة على طبق ما أدركه العقل والحكم بوجوبه وحرمته، كما هو واضح. نعم في مقام العمل أمكن لنا دعوى وجوبه عملا من جهة قاعدة المقتضى والمزاحم على ما تقرر في محله: بأن العقلا بعد إحرازهم وجود المقتضى للشئ في مقام يجرون عملا على طبق ذلك المقتضى من دون اعتنائهم باحتمال وجود المانع أو المزاحم في البين ولو في مورد لم يكن هناك أصل يقتضى التعبد بعدمه كما هو واضح، فتدبر.