به ولو كان هناك شئ آخر لا ندركه فلا شك في كونه أمرا خفيا غاية الخفاء بحيث لا يتعقله إلا الأوحدي من الناس، ومع ذلك كيف يجوز وضع لفظ الامر المتعارف في الاستعمال بإزائه، إذ من الواضح حينئذ انه لولا إرادتهم من الطلب والامر ما ذكرنا لما كان وجه لانكار القائل بالاتحاد عليهم، كما هو واضح.
وعليه نقول أيضا بأنه لا يكاد يلائم شئ من التوجيهات المزبورة كلامهم بوجه أصلا، حيث إن الطلب بمعنى الانشائي منه - كما هو توجيه الكفاية - وان يساعد عليه اللازم الأول من قابلية تعلقه بالمحال لعدم استلزامه لإرادة الايجاد من المكلف، ولكنه لا يساعد عليه جهة موضوعيته لحكم العقل بوجوب الإطاعة والامتثال. واما كونه بمعنى حملة النفس وهيجانها بنحو المطلوب فهو أيضا غير قابل للتعلق بالمحال ولا يصحح أيضا كونه لصلاح في نفسه فبقي بعد الاشكالات بحالها. وأما كونه بمعنى الاشتياق فهو وان يصحح جواز تعلقه بالمحال - كما في اشتياق المريض إلى شفاء مرضه والمحبوس إلى الفرار من السجن والتخلص منه واشتياق الانسان إلى عود شبابه - ويمكن أيضا وقوعه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال فيما لو أحرز العبد اشتياق مولاه إلى شئ ولكنه أيضا لا يصحح كونه لصلاح في نفسه. وحينئذ فبقرينة استدلالهم بمثل الأوامر الامتحانية يعلم بعدم إرادتهم من الطلب الاشتياق نحو الشئ ولا من الإرادة حملة النفس وهيجانها نحو المطلوب. واما كونه بمعنى البعث والتحريك والوجوب واللزوم ونحوها فهو أيضا غير محكي بالامر لما عرفت من كونها أمورا انتزاعية متأخرة عن الامر يعتبرها العقل عن مقام إبراز الإرادة فلا يمكن ان يكون محكيا للامر، كما هو واضح.
نعم هنا معنى آخر غير المذكورات وغير العلم والإرادة والحب والبغض يمكن بعيدا ان يوجه به كلام القائل بالمغايرة، وهو البناء و القصد، المعبر عنه بعقد القلب في باب الاعتقادات، حيث أنه كان من جملة أفعال النفس، ولذا قد يكون يؤمر به كما في البناء على وجود الشئ كالبناء بالاستصحاب وفي الشكوك المعتبرة في الصلاة، وقد يكون ينهى عنه كما في التشريع المحرم ويسمى بأسام مختلفة حسب اختلاف متعلقه، ويكون كالإرادة في كونه ذا إضافة وان خالفها في أنها من مقولة الكيف وهذا من مقولة الفعل للنفس، فكما ان الحب قد يتعلق بأمر موجود مفروغ التحقق فيقال له العشق والشعف، وقد يتعلق بإيجاد الشئ أو إيجاد الغير إياه فيقال له الإرادة، كذلك هذا البناء