ومما ذكرنا ظهر لك أن التفصيل بين الصحة والفساد في باب المعاملات وبينهما في باب العبادات بجعل الأول من المجعولات الشرعية والثاني من الانتزاعيات لا وجه له، وأنهما في كلا البابين ينتزعان من المطابقة وعدم المطابقة.
(السادس) - في أن النزاع في هذه المسألة ليس متوقفا على أن يكون عموم دليل أو إطلاقه في البين بحيث يدلان على صحة تلك العبادة المنهي عنها أو تلك المعاملة المنهي عنها لولا النهي، وذلك من جهة أن غاية ما يمكن ان يقال في المقام للزوم وجود عموم أو إطلاق في البين هو أنه لو لم يكن كذلك فلا يحتاج في إثبات الفساد إلى النهي، بل مقتضى الأصل هو فسادهما ولو لم يكن نهى، فلا تبقى ثمرة للنزاع في أن النهي يدل على الفساد أو لا، كما ذهب إلى هذا الوجه المحقق القمي (قدس سره) حيث قال إن الأصل في المعاملات دائما هو الفساد من جهة أصالة عدم ترتب الأثر مثل النقل والانتقال، وهكذا بالنسبة إلى سائر الآثار كأصالة عدم تحقق العلاقة بين الزوجين، وغير ذلك من الآثار وهكذا في العبادات إذا شككنا في مشروعية عبادة، فمقتضى الأصل هو عدم مشروعيتها وقد مثل للمعاملة التي لا يشملها عموم أو إطلاق بالقمار وللعبادة التي لا يشملها عموم أو إطلاق بصوم الوصال، وقال بأنه لو لم يتعلق نهي بهذين المشكوكين أيضا كان مقتضى الأصل فسادهما (وأنت خبير) بأن دلالة الأصل على الفساد يكون في طول دلالة الدليل عليه، وذلك لحكومة الامارات على الأصول وإن كانت موافقة لها في المؤدى. هذا مضافا إلى أن الشك في الفساد قد يكون من جهة الشبهة الحكمية من جهة احتمال شرطية شئ أو جزئيته أو مانعيته في العبادة أو المعاملة، ففي هذه الصورة ربما يكون مقتضى الأصل العملي صحتها لجريان البراءة، و لكن النهي ربما يدل على الفساد.
(السابع) - أنه لا أصل عند الشك في نفس المسألة الأصولية يعتمد عليه في هذه المسألة، واما بالنسبة إلى المسألة الفرعية فان كان الشك من جهة المشروعية وعدمها فمقتضى الأصل هو عدمها، وإن كان من جهة الشبهة الموضوعية وأن هذا الفرد هل