وأنت خبير بما في هذا الكلام (أولا) أن المعنى الحرفي لا يمكن أن يكون مصداقا للمعنى الاسمي أو ما ينطبق هو عليه، لان معنى المصداقية والمنطبقية لشئ هو ان يجعل ذلك الشئ محمولا، و المصداق والمنطبق عليه موضوعا. ومعلوم أن المعنى الحرفي لا يمكن ان يجعل موضوعا والا لخرج عن كونه حرفا، فنسبتها إلى تلك المفاهيم الاسمية ليس من قبيل المفهوم والمصداق، بل له معنى آخر سنبينه في مقام بيان كيفية وضع الحروف إن شاء الله.
(وثانيا) - أنه لا فرق بين (يا زيد) مثلا وبين سائر الجمل الانشائية الايقاعية وذلك، لان هذا الكلام له مقدر، إذ لا يمكن أن يتألف الكلام من حرف واسم.
(وبعبارة أخرى) المسند فيه مقدر، لان (زيدا) فيه مسند، إليه كما هو واضح فلنفرض المقدر - كما قال النحويون - كلمة أدعو، فحينئذ نقول للدعوة نسبة صدورية إلى المتكلم بهذا الكلام تكون مدلولة لهيئة أدعو، ونسبة المدعوية إلى طرفه أعني (زيدا) في المثال. و الدال على هذه النسبة هي كلمة (يا) ولا شك في أن المتكلم إذا أراد أن يلقي كلاما إلى الطرف، فلا بد له من أن يتصور أجزاء الكلام بما لها من النسب والارتباطات، حتى تكون الجملة الملفوظة مطابقة للجملة المعقولة. غاية الامر قد يكون بصدد الاخبار عن ثبوت هذه النسب في موطنها من الذهن أو عالم الاعتبار أو الخارج، فتسمى جملة خبرية، وقد يكون بصدد إنشاء مضمون تلك الجملة، فتسمى جملة إنشائية. ومعلوم أن ما نحن فيه من القسم الثاني.
(الثاني) - أنه لا شك في أن مفاهيم أجزاء الجمل - تامة كانت أو ناقصة - اسمية أو فعلية، خبرية أو إنشائية ما عدا الحروف التي فيها و هيئاتها - مفاهيم بسيطة مستقلة في الأذهان غير مرتبطة بعضها ببعض، فلو لم توجد - بينها بواسطة الحروف والهيئات - تلك النسب والارتباطات، كانت أمورا متباينة دائما كل واحدة أجنبية عن الأخرى، فكيف يتحقق ويتشكل منها كلام، لان الكلام لا بد أن تكون أجزاؤه مرتبطا بعضها ببعض. وفيه أن المفاهيم المذكورة - كما بيناه في الجواب