تنقيح الأصول - تقرير بحث آقا ضياء ، للطباطبائي - الصفحة ٥٨
استبان له أترك. وفى مثله يتجه الاستحباب المولوي، بخلاف ما ورد الحكم فيه بعنوان الاحتياط، أو غيره من العناوين المنطبقة على اتيان العمل بداعي دعوة الامر، فإنه حينئذ مما يستقل العقل بحسنه، والأوامر الشرعية الواردة منه إرشادي، كأوامر الإطاعة، وبمثل هذا الاختلاف وقع الخلاف في أخبار من بلغه ثواب عن النبي صلى الله عليه وآله، مع تعدد مضامينها، ففي بعضها من بلغه ثواب على عمل فعمل رجاء ذلك الثواب، وفي بعضها الاخر فعمل التماس ذلك الثواب، وفى ثالث فعمل طلب قول النبي صلى الله عليه وآله، وخلاصة وجه الخلاف في أخبار من بلغ، هو أن الامر المستفاد من نحو قوله عليه السلام له مثل ذلك الثواب، هل هو متعلق بعنوان العمل البالغ فيه الثواب، حتى يكون مستحبا مولويا ولو طريقيا، أو إنه متعلق بالعمل المأتى بداعي البلوغ ورجاء وجود الثواب واقعا، حتى لا يبقى مجال لأعمال جهة المولوية، وبحمل الامر على الارشاد إلى حكم العقل، والظاهر من أخبار الباب، هو الثاني، حيث إن ظاهر قوله عليه السلام من بلغه ثواب على عمل فعمل، إن العمل المصدر بفاء الترتيب متأخر عن العمل البالغ فيه الثواب، فهو معلول بلوغ الثواب، فالمقام من قبيل أن يقال: لو أردت الضرب فضربت كان كذا، حيث إن الضرب الأول موضوع الإرادة، والضرب الثاني معلول الإرادة، فيكون العمل حينئذ مسوقا لعنوان الإطاعة والانقياد، الذي يستقل العقل بحسنه، فالامر المتعلق به على هذا، ليس إلا للارشاد، بداهة طولية العملين، وإن العمل الثاني مترتب على الأول وفى طوله، فلا بأس بأن يكون العمل الثاني موردا لحكم العقل، حسنا أو قبحا، مع بقاء العمل الأول المعروض على ما هو عليه.
(تنبيه) إن ما ذكرناه من طولية العملين، كما يستفاد منه ظهور الامر في المقام وفى باب الاحتياط في الارشاد بلا شائبة المولوية أبدا، كذلك ينفع في باب التجري والانقياد أيضا، بداهة أن العمل المتجري به، من حيث هو كذلك، مترتب على ذات العمل وفى طوله، ولا بأس حينئذ باختلاف حكمهما في نظر العقل، من دون سراية حكم الأول إلى الثاني، وتوضيح ذلك إجمالا، إن الصفات الوجدانية من العلم، والإرادة، والكراهة
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»