وكانت قابلية المحل شرطا لتأثيرها، فمع كون القابلية مسبوقة بالوجود فلا إشكال في استصحابها، وحينئذ فمع تحقق سائر الأمور يحكم بالحلية، ومع عدمها يحكم بالحرمة، ومع عدم سبقها بالوجود، فلا وجه لأصالة عدم التذكية، إذ لا أثر لها مع عدم إحراز القابلية، والمفروض عدم طريق لاحرازها، نعم إن كانت القابلية من الجهات العارضة على الذات، غير مأخوذة فيها، وقلنا بجريان الأصل في الاعدام الأزلية، فبأصالة عدم القابلية تتحقق الحرمة أيضا، وإن قلنا بعدم جريان الأصل في الاعدام الأزلية، فلا مجري لهذا الأصل أيضا، فتصل النوبة إلى أصالة الحلية لعدم أصل موضوعي في البين، كما إنه لو أحرزت القابلية، وشك في تأثير التذكية في الحلية، مع القطع بتأثيرها في الطهارة، فلا إشكال في جريان أصالة الحلية، لعدم أصل حاكم في البين، نعم، لو شك في تحقق فرى الأوداج بشرائطه، فيكفي هذا في الحكم بالحرمة، لأصالة عدمه.
الامر الخامس، من القضايا التي قياساتها معها، رجحان الاحتياط عقلا، وإنما الكلام في إنه هل يصح أن يكون هذا الرجحان منشأ لحمل الأوامر الاحتياطية الواردة شرعا على الاستحباب المولوي، أو عدم صحة ذلك، فتحمل الأوامر المزبورة على الارشاد إلى حكم العقل، والحق أن يقال إنه إن كان عنوان الاحتياط عبارة عن نفس إتيان ما هو محتمل الوجوب مثلا، فلا بأس بحمل الأوامر المزبورة على الاستحباب المولوي، طريقيا أو نفسيا، فتكون بمنزلة سائر الأوامر الطريقية، في إنها مع المصادفة للواقع، يتنجز الواقع بها، ومع المخالفة يكون ترخيصا للمخالفة في مرتبة الجهل بالواقع، وحينئذ فمنع استقلال العقل برجحان الاحتياط بهذا المعنى ممكن، وأما إن كان عنوان الاحتياط عبارة عن إتيان الفعل بداعي احتمال وجوبه مثلا، فحيث إن منشائية الداعي لاتيان الفعل مأخوذ فيه، فينطبق عليه عنوان الانقياد، وهو مما يستقل العقل بحسنه، فلا مجال حينئذ للامر المولوي من الشارع، مثل الامر الوارد من الشارع بالنسبة إلى الإطاعة، فكما إن أمر الإطاعة لابد وأن يحمل على الارشاد، فكذا أوامر الاحتياط في المقام، وحيث إن الظاهر من عنوان الاحتياط هو الثاني، فأوامر الاحتياط كلها إرشاد إلى حكم العقل، نعم ظاهر بعض الاخبار إثبات الحكم لعنوان مشتبه الحكم، مثل قوله من ترك الشبهات فهو لما