تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٩٢

____________________
ب‍ " عن " لابد لها من مصحح، ولا يكون إلا بتضمينها معنى الإعراض، والمنع من المخالفة على وجه الإعراض والتنفر وعدم المبالاة لا يقتضي المنع عن المخالفة بدون ذلك.
وأجيب عنه: بأن تعدية المخالفة ب‍ " عن " إنما تقتضي تضمنها الاعراض بالمعنى الأعم وهو صرف النفس عن الامتثال، فيتم المقصود، إذ كل مخالفة تتضمن الإعراض بهذا المعنى، بل كل ترك للمأمور به عمدا من دون عذر في معنى الميل والإعراض عنه، وبذلك يوجه كلام المصنف ليتأتى ما رامه من تتميم الاستدلال.
وأما ما يجاب عنه أيضا تارة: بأن اعتبار ذلك إنما هو لمجرد المحافظة على القاعدة النحوية، ولا يلزم من ذلك اعتباره في المعنى المراد.
وأخرى: بأن المعنى يستقيم حتى مع عدم التضمين، تعليلا بأن من الأفعال المتعدية بنفسها ما يصح تعديته بحرف الجر أيضا بدون تضمين، كقولك: " شكرته وشكرت له " فليس مما ينبغي الالتفات إليه، فإن صحة التراكيب النحوية تدور على المعاني المرادة، كما أن المعاني المرادة يستكشف عنها بملاحظة التراكيب النحوية، فكيف يتصور قيام وجه مصححا للتركيب النحوي وهو غير مرتبط بالمراد، وتنظير محل البحث بما ذكر مبناه القياس مع الفارق فلا يعبأ به، مع كونه فاسدا في نفسه.
نعم يمكن أن يجاب أيضا: بأن الالتزام بما ذكر من التأويل ليس لمجرد المحافظة على القاعدة، وهذا الغرض كما يتأتى بما ذكر من التضمين فكذلك يتأتى بارتكاب تجوز بحمل " المخالفة " على المجاوزة، على أن التضمين عبارة عندهم عن إشراب اللفظ معنى لفظ آخر وقد ذكر له وجوه:
أحدها: أن يستعمل اللفظ في معناه الحقيقي ويضمر ما يتعدى بالحرف المذكور في الكلام كما في قوله تعالى: ﴿ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم﴾ (1) فيكون المعنى: لا تأكلوا أموالهم ضامين إياها إلى أموالكم.
وثانيها: عكس ذلك، كأن يقال في الآية: لا تضموا أموالهم إلى أموالكم آكلين إياها.
وثالثها: أن يستعمل اللفظ في معناه الأصلي ويقصد بتبعيته معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه ذلك اللفظ، ولا ريب أن شيئا منها في المقام ليس بأولى مما ذكرناه من الاحتمال إن لم نقل بأولويته لشيوع وروده في المحاورات، مع مرجوحية بعض الوجوه

(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 96 98 99 100 ... » »»