تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٥٠١

____________________
لكان خلاف الفرض والتقادير كلها باطلة.
أما الأول: فلأن الذي ينافي الحكمة إنما هو إرادة ترك المقدمات حتما بالفعل أو الرضاء بتركها لإفضاء الأول بالنسبة إلى ذي المقدمة إلى التكليف بما لا يطاق، فلذا صار المحققون إلى عدم جواز اجتماع المقدمة مع الحرام، وإفضاء الثاني بالنسبة إليه أيضا إلى نقض الغرض، أو الجمع بين النقيضين لأن الرضاء بترك المقدمة في معنى الرضاء بترك ذيها وهو يناقض المنع عن تركه لا عدم إرادة فعل المقدمات حتما بالفعل وإلا لانسد باب الدلالة بالإشارة في خطابات الحكيم، بناء على أنها لم يخصصها أحد بغير الاقتضائيات مع أن المناط واحد، فالذي يسوغها في غيرها كما في دلالة الآيتين على أقل الحمل يسوغها فيها من غير فرق فإبداء الفرق عن كل من يبادر إليه تحكم.
وأما الثاني: فلأن المراد بالعلم إما التصديق بمقدمية المقدمة أو الإذعان بوجوبها.
وأيا ما كان فلا يستلزم المطلوب، إذ الأول لا يلازم إرادة فعلها حتما بالفعل ولا يوجب انتفاؤها فعلا انقلابه جهلا، لتعدد موضوعيهما.
ولو سلم الملازمة فهي بين الإرادة الحتمية والعلم بالعلم لا بينها وبين نفس العلم، والذهول عن العلم ممكن عقلا بل شائع وقوعه خارجا، وهو قد يوجب عدم تحقق الإرادة الحتمية فعلا.
والثاني مسبوق بتحقق الإرادة فعلا (1) فكيف يجعل تحققها فعلا متفرعا عليه إلا على تقدير جواز الدور.
ولو دفع ذلك بأن العلم سابق على تحقق الإرادة، لأن المراد به العلم بأن مقدمات كل مأمور به من شأنها أن يريد بها الآمر حتما عند إصدار الأمر فعلا وهو لا يتوقف على صدور الأمر فعلا فضلا عن الإرادة الفعلية، لأنه حاصل لكل أحد ولو لم يصدر منه أمر قط فلم لا يكتفي به بعد صدور الأمر أيضا لأن مبناه على جعل الإرادة والطلب المعتبرين في الوجوب أعم من الشأني، فإذا صدق الوجوب معهما شأنا لا يتفاوت الحال حينئذ بالنسبة إلى ما قبل الأمر أو ما بعده، فلا وجه لالتزام أن العالم بوجوب المقدمة يلزمه تحقق الإرادة الفعلية حتما بالنسبة إليها، لجواز أن يستمر على العدم الأصلي اكتفاء في إيجابها بالطلب الشأني، وعليه لا يتفاوت الحال أيضا بين العالم والجاهل لتساوي نسبة القضية الشأنية إليهما معا، فلا وجه لصرف دعوى وجوب المقدمة عما صدر من غير العالم.
ومع الغض عن جميع ذلك فالملازمة على فرض تسليمها إنما هي بين الإرادة

(1) لأن الآمر بعد ما أراد فعل المقدمة حتما حصل له العلم بوجوبها فهو موقوف على تحقق الإرادة فعلا وبدونه لا علم (منه).
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 487 491 492 495 496 501 502 503 508 509 510 ... » »»