تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٥٠

____________________
الثاني: أن هذا الفن يبحث عن أحوال الأدلة من حيث دليليتها وابتناء الأحكام عليها، والمفروض أن موضوعات المسائل إما موضوع العلم أو أجزاؤه أو جزئياته أو غير ذلك مما هو مقرر في مظانه، فكيف يفرض البحث على الوجه الأعم مع أن الحيثية قائمة بالخاص.
ويندفع: بأن ذلك لو صلح إشكالا لكان مطردا في جميع المباحث المتعلقة بالمبادئ اللغوية، ولكنهم فرضوا البحث على الوجه الأعم للتوصل عن معرفة حكم العام إلى معرفة حكم الخاص، لما بلغهم من أن الله ورسوله والأئمة المعصومين (عليهم السلام) كانوا يخاطبون الناس على طريقة عرفهم ولسانهم كما يصرح به قوله عز من قائل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (1) ويعطيه أيضا قوله (عليه السلام): " إن الله أجل من أن يخاطب قوما ويريد منهم خلاف ما يفهمونه " ويومئ إليه أيضا قوله: " كلم الناس على قدر عقولهم " ولأن ألفاظ الكتاب والسنة لا طريق إلى معرفة أحكامها في الغالب إلا طريقة العرف وبناء أهل اللسان، فلابد من فرض المباحث على الوجه الأعم ليتأتى بذلك ما هو الغرض الأصلي منها كما لا يخفى.
نعم يبقى في المقام إشكال آخر وهو: أن البحث عن تلك الألفاظ على الوجه الأعم نقض للقاعدة المقررة في فن الميزان - التي قد سبق منا تحقيق فيها في أوائل الكتاب - من أن العلم لا يبحث فيه عن الأحوال اللاحقة لما هو أعم ولا ما هو أخص من موضوعه، لأن الغرض الأصلي من البحث فيه معرفة الآثار المطلوبة عن موضوعه التي هي عبارة عن الأحوال المختصة به الشاملة لجميع أفراده الغير الشاملة لغيرها، وأما الأحوال الغير الشاملة لجميعها أو الشاملة لها ولغيرها فلا تطلب عن ذلك العلم لعدم كونه من الأحوال المختصة بموضوعه، بل من الأحوال المختصة بأمر أخص تحته أو أمر أعم فوقه فتطلب عن علم يكون موضوعه ذلك الأمر الأخص أو الأعم، والأحوال العارضة لألفاظ الكتاب والسنة على التقدير المتقدم من هذا الباب، لأنها يعرضها بواسطة أمر أعم وهو نوع اللفظ، مع أن الموضوع قسم خاص منه لأنه الدليل لا مطلقا.
ويمكن دفعه: بالتزام اعتبار الحيثية في ذلك، بأن يقال: إن موضوع تلك المباحث إنما هو نوع اللفظ من حيث وروده في الكتاب والسنة على نحو يكون التقييد داخلا والقيد خارجا، وعليه ينزل عدهم الكتاب والسنة موضوعين لهذا الفن ودليلين للأحكام، فلا يكون الموضوع هو الكتاب أو السنة من حيث هما مع قيد الخصوصية لئلا ينافي دأبهم من

(1) إبراهيم: 4.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 46 48 49 50 51 52 55 58 59 ... » »»