تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٣٣٢

____________________
هذه الأوامر منه تعالى إنما هو من مقتضى اللطف الواجب عليه الذي هو عبارة عما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية، وكذلك الغرض من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فإنهما أيضا لأجل حصول القرب والزلفى كما يستفاد من قوله تعالى ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ (١).
مضافا إلى أن المعنى الذي ذكروه لا يساعده عليه شيء من العرف واللغة، إذ العبادة على ما يقتضيه الاستعمالات العرفية وتنصيص أهل اللغة هو التذلل والانقياد وغاية الخضوع، ويشهد بذلك أيضا أن المشركين كانوا يعبدون من دون الله ولم يكن العبادة منهم عبارة عن الإتيان بالمأمور به، حيث لا أمر لهم في معبوداتهم، وإنما المراد بعبادتهم تذللهم لأصنامهم، وهو المراد بقولهم: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ (٢) فلا مدخل للعبادة بهذا المعنى في الأعمال التي هي مناط الاستدلال من حيث اشتراطها واقترانها بقصد الإخلاص، وإنما المراد أنهم أمروا بما أمروا ليحصل لهم التذلل لله تعالى حال كونهم مخلصين له ما به التذلل وهو الدين، على أن التذلل له قسمان:
أحدهما: كونه خالصا لوجهه الكريم من غير تشريك لغيره معه.
وثانيهما: كونه له مع تشريك غيره معه على ما هو دأب المشركين كما يدل عليه الآية المتقدمة، فيقام الآية للدلالة على أن مطلوبه تعالى هو القسم الأول خاصة، فيكون مفادها إرادة التوحيد في مقابلة الشرك، على أن الإخلاص يكثر استعماله في التوحيد فقوله: ﴿مخلصين له الدين﴾ (٣) أي موحدين إياه في دينهم، ومن هنا سميت سورة التوحيد بكلمة الإخلاص كما لا يخفى.
ويشهد بما ذكرنا أيضا ما عن ابن عباس: من أن العبادة كلما أطلقت في الكتاب العزيز يراد بها ما يقابل الكفر والشرك، كما في قوله تعالى ﴿قل الله أعبد مخلصا له ديني﴾ (٤) و ﴿فاعبدوا ما شئتم﴾ (٥) ومنه قوله تعالى: ﴿قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ (6) الآية، ولذلك ترى اقترانها كثيرا بذكر ما هو من أهم أصول الدين وفروعه، كاقترانها في الآية المستدل بها بما هو من مهم آثار الموحدين وهو الصلاة والزكاة، ومن هذا الباب ما في قوله تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين

(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 314 320 330 331 332 333 334 335 336 339 ... » »»