تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٤١

____________________
فمرجع هذا البحث إلى البحث المتقدم، لكون المقصود به الإشارة إلى الخلاف الواقع في اعتبار إرادة المطلوب حسبما زعمه الأشاعرة من عدم الحاجة إليها في تحقق " الأمر " وبنائهم على المغايرة بين الطلب والإرادة، خلافا لغيرهم الباني على اتحاد الأمرين فلا يمكن تحقق " الأمر " من دون حصولها.
وأنت خبير بوهن هذا الاعتراض وابتنائه على قلة التدبر.
فإن مرادهم بالإرادة على ما يساعده ظواهر عباراتهم - بل صريح كلماتهم - إنما هو إرادة المأمور به، ولا يعود النزاع إلى النزاع المتقدم.
فإن نزاعهم ثمة إنما هو في مفهوم الصيغة أو " الأمر " من حيث هو باعتبار الوضع كالنزاع الواقع في مفهومي " الغناء " و" الصعيد " ونظائرهما.
فمنهم من ذهب إلى أنه الإرادة لا ما يغائرها.
ومنهم من قال بأنه الطلب المغائر للإرادة، وها هنا إنما هو في مصاديق " الأمر " بحسب الاستعمالات الشخصية الطارئة للصيغة.
فمنهم من زعم الإرادة من مشخصات الصيغة الصادرة عن المستعمل ومخصصاتها بالأمر.
ومنهم من اكتفى في ذلك بمجرد الوضع فإنها " أمر " سواء أريد بها المأمور أو الطلب أو لا.
ولا يفرق حينئذ بين كون مفهومها الذي وضعت بإزائه هو الإرادة أو الطلب المغائر لها.
ولا ريب أن ذلك نزاع في أمر معنوي قابل لوقوعه بين أهل العلم، كما لو فرض النزاع في صدق الكلام على قولنا: " زيد قائم " في اعتبار إرادة مدلوله الموضوع له فيه وعدمه، ليظهر الثمرة في اللفظ الصادر عن النائم أو الغافل ونحوه، فإنه على الأول لا يكون كلاما، فلذا ترى بعض محققي النحاة أنه اعتبر في حد الكلام كونه مقصودا.
وعلى الثاني يكون كلاما، فمن هنا ترى حدود الأكثرين منهم خالية عن القيد المذكور.
ومما يشهد بذلك ما عن جماعة من الفقهاء من القول الآخر من أن الصيغة بجنسها وفصلها (1) تصير أمرا بشرط تجردها عن القرائن الصارفة لها عن جهة " الأمر " إلى التهديد أو الإباحة، مع زعمهم لو صدرت من النائم والمجنون لم تكن أمرا لقيام القرينة، وأقوى من ذلك أكثر حدودهم المتقدمة للأمر.

(1) في الأصل: " ونفسها " والصواب ما أثبتناه.
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 28 31 37 39 41 43 44 46 48 49 ... » »»