تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٢١

____________________
فإن وجوب الفعل عنده في آخر الأزمنة ليس من جهة أنه إتيان به على وجه التراخي كما هو معنى القول بالتراخي، بل هو إتيان به في زمان وجوبه بعينه، نظرا إلى زعمه انحلال الأمر الواحد إلى أوامر عديدة على حسب عدد أوقات الإمكان، فالفعل في كل وقت يؤتى به فيه امتثال للأمر الثابت في ذلك الوقت، فيكون واقعا في زمان الفور بالنسبة إلى ذلك الأمر، فالقول بالفورية على القول بالتكرار لا ينفك في الحقيقة عن شيء من أزمنة إمكان الفعل، فهذا القائل قائل بوجوب الفور دائما ولا يعقل عنه القول بالتراخي فضلا عن وجوبه، لمنافاته دوام الوجوب المقتضي لانحلال الأمر إلى أوامر متعددة حسبما عرفت.
الأمر الرابع: لا يخفى أن من الواجبات ما كان مضيقا ومنها ما كان موسعا، والأول يطلق تارة على ما هو بالمعنى الأخص وهو ما كان مضيقا من جهة الرخصة والإجزاء، كصيام شهر رمضان حيث لا يجوز تأخيره عن وقته ولا يكون مجزيا عن الأمر الأول في غير وقته، وأخرى على ما هو بمعناه الأعم وهو ما كان مضيقا من جهة الرخصة، سواء كان كذلك من جهة الإجزاء أيضا كالمثال المذكور أو لا، كالحج الذي لا يجوز تأخيره عن عام الاستطاعة مع كونه مجزيا عن الأمر الأول لو أخر إلى غير العام الأول وإن ترتب عليه الإثم.
كما أن الثاني أيضا يطلق تارة على ما هو الموسع رخصة وإجزاء وهو الموسع بالمعنى الأخص، مع كونه موقتا كالفرائض اليومية أو لا كفريضة الزلزلة وغيرها من الآيات عدا الكسوفين، وأخرى على ما هو بمعناه الأعم وهو الموسع إجزاء سواء كان موسعا من حيث الرخصة أيضا كما ذكر أو لا كالحج، وأما عكس ذلك فغير معقول عن العدل الحكيم.
والنسبة بين الأعم والأخص من كل منهما عموم مطلق، وبين الأعمين عموم من وجه، وبين الأخصين تبائن كلي، كما أن بين أعم كل وأخص الآخر تبائن كلي، والوجه واضح. والظاهر عدم كون شيء من تلك المذكورات مرادا بالفور والتراخي لأنها من أقسام الموقت وهما عندهم ليسا من قبيل الموقت، فلذلك ترى الأمر في بعض العناوين مقيدا بالإطلاق كما في كلام المصنف على أحد احتماليه (1) وإن كان الفور قد يطلق على ما يعم القسم الأول من المضيق، فإنه يطلق تارة على ما هو لازم التعجيل مع عدم كونه محدودا بوقت كرد السلام، وردي الوديعة والدين عند المطالبة.

(1) أول الاحتمالين: أن يكون المراد بالأمر المطلق ما تجرد عن القرائن الخارجة القاضية بإرادة الفور أو التراخي أو غيرهما.
وثانيهما: أن يكون المراد ما لم يكن موقتا بأحد قسميه ثابتا توقيته من الخارج. (منه).
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 215 217 218 220 221 222 223 224 227 228 ... » »»