تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢١

____________________
على خلو المقام عن العلو بالمرة، لجواز كون ذلك الخطاب من فرعون إنما سيق إلى من هو أعلى رتبة منه من ملائه، بأن يكون مخاطبوه أهل العلم أو الحكمة من قومه كما هو الحال في سائر العلماء في سائر الأعصار والأمصار بالقياس إلى سلاطينهم حيث يرتفعون على السلاطين، مع أن الاحتجاج بعد الغض عما ذكر إنما يستقيم إذا قدر المفعول ضميرا للمتكلم، وأما إذا قدرناه ضميرا للمخاطبين مستترا في الفعل على جهة النيابة عن الفاعل بدعوى: أن الفعل مبني للمفعول، فلا، كما لا يخفى.
ومع الغض عن ذلك أيضا فليس في الآية إلا إطلاق مجرد، وهو بنفسه لا يصلح دليلا على الحقيقة جزما، كما أنه على تقدير صلوحه لذلك لا يصلح معارضا لما تقدم من الوجوه القاضية باعتبار العلو لا محالة، مع إمكان أن يقال: بكونه مناط الإطلاق هاهنا، بدعوى: أنه نزلهم منزلة العالي فأطلق عليهم ما هو من خصائصه.
وبمثل ذلك يجاب عن الوجهين الأخيرين، مضافا إلى ما سبقه من منع دلالة الإطلاق على ما هو المقصود، مع إمكان أن يستكشف كونه في خصوص المقام على وجه المجاز عن توصيف " الأمر " بالجزم، نظرا إلى أن الأمر الحقيقي لا يوصف به وإنما يوصف به عرفا ما ليس بأمر حقيقة تنبيها على كونه يفيد مفاد " الأمر " في إرادة الحتم وقصد الإلزام كما لا يخفى.
فمما قررنا جميعا تقرر أن حق الأقوال هو القول الثاني، فلابد في صدق " الأمر " عرفا وكذلك لغة بضميمة أصالة عدم النقل من اعتبار العلو، لدوران الصدق معه في الوجود والعدم، وصحة السلب مع خلوه، ولكن لابد مع ذلك من اعتبار الحتم والإلزام مع الطلب، والمراد به جعل الشيء لازما أو طلب الفعل مع عدم الرضا بالترك، فلو صدر لا على سبيل الحتم والإلزام ليس من " الأمر " لغة ولا عرفا ولا شرعا لصحة السلب عنه على الإطلاق، مضافا إلى عدم إطلاقه عليه في شيء من الموارد وخصوص قوله (صلى الله عليه وآله) " لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " (1) وقوله الآخر لبريدة حينما طلب عنها المراجعة إلى زوجها: " لا بل أنا شافع " (2) بعد قولها: " أتأمرني يا رسول الله؟ " مع ثبوت الطلب الندبي في كلا المقامين.
أما في الأول: فلما دل على استحباب السواك بنفسه من النصوص الكثيرة البالغة حد الاستفاضة بل التواتر.
وأما الثاني فلقضاء قوله: " بل أنا شافع " نظرا إلى أن الشفاعة عرفا مرادفة للندب أو

(١) الوسائل ١: ٣٥٥ ب ٥ من أبواب السواك، ح ٣.
(٢) الكافي ٥: ٤٨٥.
(٢١)
مفاتيح البحث: السواك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 9 13 16 18 21 22 26 28 31 37 ... » »»