تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ١٨

____________________
من أقوى أمارات خلاف الحقيقة.
فلذلك ترى لو قال - في القسم الثاني بعد المثال المزبور -: " ما أهنت أبي بل أكرمته " لاستفيد منه استهجان آخر كاشف عن كذب القضية الثانية لما ذكر دون القضية الاولى، لما عرفت من وقوع الاستعمال فيها على طبق الوضع واللغة وانطباق ما استعمل فيه اللفظ على مدلوله اللغوي.
ومن هنا جعل عدم صحة السلب من أقوى شواهد الحقيقة.
وبالجملة لو كان إطلاق " الأمر " هنا في محله لما صح السلب عنه ثانيا، كما لم يكن صح في باب الإهانة.
ووجه بطلان التالي مع الملازمة ما عرفت.
ومما يفصح عن كون الاستهجان هنا لمجرد خصوصية في اللفظ - وهو تضمنه علو القائل المنتفي هنا - أنه لو كان لأجل ورود المعنى في محل غير مناسب لوجب حصول الاستهجان فيما لو ورد المعنى بلفظ آخر، كما لو قال الداني للأمير: " اطلب منك الشيء الفلاني ولا أرضى بتركه " مع أن الوجدان السليم يحكم بعدمه.
وأما ما ذكره ثانيا من الحكم بفساد إطلاق هذه الدعوى بتوهم جواز الاستعمال فيه في الجملة عند الجميع.
ففيه: أن المتجه إطلاق المنع ولو على سبيل المجاز على تقدير انتفاء العلو بالمرة ولو ادعاء.
كيف وأنه لا يطلق على هذا التقدير إلا على طريق السخرية والاستهزاء أو مع إرادة المزاح كما هو شأن الأغلاط في جميع اللغات، وإسناد جوازه مجازا إلى الجميع موضع منع.
ولو سلم فهو مبني في صدق " الأمر " على الاكتفاء بالعلو في الجملة ولو ادعاء، نظرا إلى أن الاستعلاء الذي يسلمه المجيب في ذلك الإطلاق مآله إلى ادعاء العلو.
غاية الأمر أنه قد يصادف الواقع فيصدق معه " الأمر " حقيقة لتحقق ما به مناط الحقيقة، وقد لا يصادفه فينتفي معه الصدق الحقيقي، ولو كان هنا صدق في بعض الأحيان على سبيل المجاز، فإنما هو لتحقق العلو الادعائي (1) لكون النتيجة تابعة لأخس مقدمتيها

(1) ومحصل ذلك الكلام: أن هذا الاستعمال على فرض صحته عند الكل إنما هو لتنزيل المستعلي منزلة العالي بعد ادعائه العلو فيطلق على طلبه ما هو من خواص المشبه به مجازا، وكذلك إذا أطلق المستعلي لفظ " الأمر " على طلبه وهو غير عال على فرض صحته، فإن اعتبار تلك العلاقة في النفس أقوى شاهد على أنه مأخوذ في الموضوع له، فلذا يعتبر في خلافه ليصح الاستعمال.
و يمكن أن يقال أيضا: إن صدق " الأمر " على طلب المستعلي ولو على سبيل الحقيقة مع الغض عما ذكر لا ينافي ما ذكره المستدل من اعتبار العلو في صدق " الأمر " نظرا إلى دعوى أن العلو أعم من الحقيقي والادعائي. كما صرح به بعض الفضلاء الموافق لنا في المذهب.
وقد ذكرنا في المتن أن مرجع الاستعلاء إلى دعوى العلو سواء كان من العالي أو غيره، إلا أن المدعى في الأول مصادف للواقع وفي الثاني غير مصادف له، فلا يثبت بما ذكر مذهب المجيب من نفي اعتبار العلو في الأمر (منه عفى عنه).
(١٨)
مفاتيح البحث: التصديق (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 9 13 16 18 21 22 26 28 31 ... » »»