على القول المذكور بظاهر قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا حيث علق فيها الامر بالوضوء الذي هو مقدمة الصلاة على إرادتها بناء على أن المراد بالقيام إرادة القيام كما ذكره أهل التفسير فيدل بالمفهوم على عدم وجوب الوضوء عند عدم إرادة الصلاة ويتم الكلام في باقي المقدمات بعدم القول بالفصل وجوابه أن المفهوم من التعليق في الآية بمساعدة سياقها إنما هو مجرد اشتراط الصلاة بالوضوء ووجوبه لها لا توقف وجوبه على إرادتها كما يظهر بالرجوع إلى العرف فيها وفيما يرد من نظائرها مع أن القيام فيها مفسر في بعض الاخبار بالقيام من النوم ومعه لا تعلق للآية بالمقام و مع التنزل فالآية ظاهرة في ذلك فلا تنهض دليلا في مقابلة ما قدمناه من الأدلة القاطعة وأما في الثاني فلانه لا ينهض بدفع الاشكال على الوجه الذي قررناه من امتناع التكليف بالشئ حال تحريم مقدمته إذ غاية ما يتحصل منه جواز التوصل إلى الواجب بالمقدمة المحرمة وهذا مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في وجوب الواجب على تقدير حرمة مقدمته وقياس ذلك بصحة الحج بالركوب على الدابة المغصوبة قياس مع الفارق لان تلك المقدمة مقدمة في الحصول على حصول ذي المقدمة فيصح الامر به بشرط حصولها من غير إشكال بخلاف فعل الضد فإن مقدمتيه المحرمتين مقارنتان له في الحصول مستمرتان باستمراره فيمتنع التكليف به بشرط حصولهما لوجوب مقارنة تمام الشرط لتمام المشروط وهو هنا مستحيل و قد يتفصى عن إشكال لزوم توارد الأمر والنهي في الضد بأن الامر النفسي يجوز أن يجتمع مع النهي الغيري وإنما الممتنع اجتماعه مع النهي النفسي وهذا ضعيف بناء على ما يظهر منهم من تفسير النهي بطلب الترك المطلق لان المانع من اجتماع النفسيين إنما هو تنافي قضيتهما فإن كون الشئ الواحد بالشخص مرادا ومحبوبا كما هو قضية الامر ينافي كونه مكروها ومبغوضا كما هو قضية النهي وهذا كما ترى لا يختص بالنفسيين بل يجري فيهما وفي الغيريين والملفق منهما وهذا على ما نقول به من امتناع الاجتماع واضح وأما ما يراه جماعة من المتأخرين من جواز ذلك مع تغاير الجهتين فلانتفائه في المقام لظهور أن المأمور به بالامر النفسي هو عين المنهي عنه بالنهي الغيري وأما جهة النفسية والغيرية فهما لاحقتان للامر والنهي والاختلاف فيهما لا يوجب تغايرا في متعلقهما ولو بحسب الاعتبار وهذا واضح وأيضا لو جاز أن يجتمع الوجوب النفسي مع الحرمة الغيرية لجاز أن يجتمع الحرمة النفسية مع الوجوب الغيري إذ لا نعقل فرقا بين المقامين مع أن ظاهرهم الاطباق على المنع في الثاني حيث خصوا وجوب المقدمة بغير الفرد المحرم وأسقطوه بفعله من غير نقل خلاف فيه فيتوجه المنع إلى الأول أيضا وتظهر ثمرة النزاع فيما ذكرناه في سبب الحرام و مقدمته التي قصد بها التوصل إليه فإنهما محرمان غيريان على ما هو التحقيق ويمتنع أن يكونا مع ذلك واجبين نفسيين أو غيريين كما في الجهر بالقراءة حيث يكون سببا لتنبيه راقد محرم أو مؤديا إلى قتل شخص محترم وأما في غيره فلا ثمرة فيه على ما ستقف عليه من تحقيقنا الآتي لا يقال لا نسلم وحدة المتعلق في ذلك لان المطلوب بالامر نفس الفعل والمطلوب بالنهي التوصل إلى الواجب بالترك لا نفس الترك وهذا معنى مطلوبية المقدمة للتوصل فإن المطلوب ليس نفسها بل التوصل بها غاية ما في الباب أن تكون تسميته نهيا عن الضد توسعا ولا بأس بالتزامه لأنا نقول مطلوبية التوصل يوجب مطلوبية نفس المقدمة لأنها مقدمة له ولا سبيل إلى أن يجعل المطلوب حينئذ التوصل إلى التوصل دون نفس المقدمة للزوم التسلسل ومع ذلك لا يجدي لان التوصلات الغير المتناهية إذا أخذت بأسرها كانت مستندة إلى نفس المقدمة فيلزم مطلوبيتها لها هذا والتحقيق أن مطلوبية الشئ يستلزم مطلوبية ما يتوقف عليه من نفس المقدمات و أما التوصل إلى الواجب فهو عند التحقيق راجع إلى فعل الواجب وهو واجب نفسي كما أن التوصل إلى المقدمة راجع إلى إيجادها وفعلها وهو واجب غيري فاندفعت الشبهة رأسا ثم لا يخفى أن الجواب المذكور على تقدير صحته لا ينهض بدفع جميع الاشكالات السابقة هذا وقد يتفصى أيضا عن الاشكال المذكور بأن الأمر والنهي يجوز تواردهما على شئ واحد إذا كانا مترتبين سواء كانا نفسيين أو غيريين أو مختلفين وإن قلنا بأن التكليف بالمحال محال مطلقا إذ لا يمتنع عند العقل أن يقول المولى الحكيم لعبده أحرم عليك الكون في دار زيد مطلقا لكن لو عصيتني وكنت فيها فأنا أوجب عليك أن تكون في موضع كذا منها فأنت حال كونك في موضع كذا منها منهي عن الكون فيه مطلقا ومأمور به بشرط الكون فيها فالمكلف مأمور أولا بفعل الواجب وترك الضد لكنه إذا عزم على المخالفة وتحقق فيه الصارف عنه وجب عليه فعل الضد مع بقائه على وصف الحرمة فوجوب الضد مشروط بحصول الصارف عن الواجب بخلاف الواجب فإن وجوبه مطلق بالنسبة إلى ذلك أقول قضية ما ذكر توجه الامر المطلق عند وجود شرطه وضرورة العقل قاضية بامتناع توجه الامر و النهي إلى الشئ الواحد بالشخص والجهة مطلقا والدليل المذكور ينهض حجة عليه حتى أنا لم نعثر في ذلك على مخالف من القائلين بامتناع التكليف بالمحال مطلقا نعم يتجه جواز ذلك عند من أجاز التكليف بالمحال إذا كان من قبل المكلف كما سيأتي لكنه غير سديد عندنا كما سننبه عليه إن شاء الله وأقول في المثال المذكور إن كان مقصود الامر أن الكون في موضع كذا منها أقل تحريما من الكون في غيره وأطلق لفظ الوجوب عليه توسعا فخارج عن محل البحث وإن أراد أنه مع كونه مبغوضا له مطلقا مطلوب له على تقدير الكون في الدار حتى إنه يصح قصد الامتثال والتقرب به ليصح تنظيره بالمقام ففساده ضروري كما مر ثم الاعتذار بأن وجوب الضد مشروط بحصول الصارف مما لا مأخذ له أصلا ومع ذلك فستقف على ما فيه بما لا مزيد عليه ويمكن التفصي عن الوجوه المذكورة أيضا بالتزام جواز التكلف بالمحال إذا كان من قبل المكلف كما يقول به بعض المتأخرين فيمنع الوجه الأول لان الرجحان المعتبر في العبادة إنما هو جهة مطلوبيتها وهي متحققة في فعل الضد بتعلق الامر به والتكليف بالمحال اللازم في الوجوه المتأخرة غير مانع من الامر بالضد لاستناده إلى المكلف حيث عصى بترك الواجب وضعفه واضح مما نحققه من أن التكليف بالمحال محال مطلقا وأجاب الفاضل المعاصر عن الوجه الثالث بأن الذي يقتضيه الامر بالشئ مضيقا إنما هو عدم الامر بضده مضيقا وأما عدم الامر به موسعا فلا لان معنى الواجب الموسع وجوب الفعل في مجموع الوقت من غير تعيين لجز
(٩٦)