فلو خالف وانكشف الخلاف أثم باجترائه وبقي على الوقت أن بقي منه وذهب القاضي إلى خروج الوقت وصيرورته قضاء لوقوعه بعد وقته المعين له في الشرع بحسب ظنه قال العضدي ولا خلاف معه في المعنى [الأول] إلا أن يريد وجوب نية القضاء وهو بعيد إذ لم يقل به أحد وإنما النزاع في التسمية وتسميته أداء أولى ثم أورد عليه النقض بالواجب الموسع إذا أخره المكلف معتقدا ضيق الوقت قبل دخول الوقت ثم انكشف له بقاء الوقت فإنه يعصي ويبقى الفعل ما بقي الوقت أداء بالاتفاق وفيه نظر ظاهر واعلم أنه قد يختلف كيفية الواجب الموسع بحسب اختلاف أحوال المكلف فإن كان مرجعه إلى اختلاف حال العجز والقدرة تضيق عليه بحسب تضيق [تضييق] زمن أداء الكيفية الواجبة المنوطة بالقدرة كما إذا علم المكلف بأنه لا يتمكن بعد تأخير الصلاة عن بعض الوقت من أدائها بالطهارة المائية أو الطهارة الخبثية أو القيام أو غير ذلك فإنها تتضيق عليه قبله مقدار أدائها بالكيفية الواجبة وإن بقي زمن الأداء إلى آخر الوقت مع بقاء التمكن كما يظهر أثره في النية عند التأخير وفي عدم جواز التأخير عن الوقت وإن رجع إلى غير ذلك كالقصر والاتمام المستندين إلى حال السفر والحضور لم يتعين عليه أحدهما بخصوصه بمجرد دخول الوقت بل يراعى فيه حال الفعل جريا على ظاهر الخطاب وما يقال من أنه يستصحب ما وجب عليه أول الوقت من قصر أو إتمام وإن انتقل إلى حالة أخرى فضعيف فصل الحق أن الوجوب في الواجب الكفائي يتعلق بكل واحد ويسقط بفعل البعض وفاقا للمحققين وقيل بل يتعلق ببعض غير معين وقيل بل بالمجموع من حيث المجموع لنا أنهم إذا تركوه أثم كل واحد منهم واستحقوا الذم والعقاب عليه بشهادة العقل والعادة وهو دليل الوجوب عليهم وأما سقوطه بفعل البعض فلانه مفاد الخطاب الدال على الوجوب الكفائي والاجماع حجة من قال بأنه يتعلق ببعض غير معين وجوه مرجعها إلى وجهين الأول آية النفر حيث دلت بظاهرها على وجوب النفر على خصوص طائفة غير معينة من الفرقة و لا مانع من حملها على ذلك إلا الابهام وهو لا يمنع لتحققه في الواجب المخير وقد قلتم بجوازه وكذا الكلام في بقية الموارد و أجيب بالفرق بين المقامين فإن تكليف واحد غير معين غير معقول بخلاف تكليف معين بشئ غير معين فإنه لا بأس به فيجب حمل الآية ونظائرها على خلاف ظاهرها وهو أنه يجب على الجميع و يسقط بفعل البعض جمعا بين الدليلين والتحقيق أن الوجوب هنا كالوجوب في المخير فكما أن الوجوب هناك مشوب بجواز الترك إلى بدل يفعله المكلف وبه يمتاز عن الوجوب التعييني كذلك الوجوب هنا مشوب بجواز الترك إلى بدل يفعله غيره وبه يمتاز عن الوجوب العيني نعم يعتبر هنا أن يكون البدل واجبا على الاخر أيضا كذلك لئلا يرد النقض بوجوب أداء المدين فإنه عيني لسقوطه بأداء البري و إن قدر وجوبه عليه عينا بنذر وشبهه وذلك لان وجوبه على المدين و إن كان مشوبا بجواز الترك إلى بدل هو فعل البري مثلا لكن لا يجب على البري ولو وجب عليه كما في الفرض المذكور فليس وجوبه مشوبا بجواز الترك إلى بدل هو أداء المدين مثلا بل مشروط بتمكنه ومنه عدم سبق المدين أو غيره به إن كان النذر مطلقا ومعه ينكشف عدم الوجوب إن انكشف عدم التمكن لامتناع المشروط عند عدم شرطه وإن انكشف فساد ظنه في بقائه كان سقوطه عنه لعذر الجهل لا لكونه جائز الترك إلى فعل غيره كما في سائر الواجبات العينية الموسعة وبالجملة فالواجب الكفائي هو الواجب الذي يتعلق باثنين فصاعدا على وجه يجوز تركه لكل واحد عند قيام الاخر به و مما حققنا يتبين [تعين] أن السقوط بفعل البعض هو مفاد الخطاب و ليس فيه خروج عن الظاهر وأنه يكفي في جواز ترك الواجب الكفائي العلم بقيام الغير به في زمن يجوز تأخيره إليه وإن علم بارتفاع تمكنه قبله وكذا الكلام في الواجبات العينية التي يجوز تركها إلى بدل إن ثبت جواز تركها كذلك ثم الظاهر عدم جواز التعويل على الظن في ذلك إلا حيث ما قام الدليل على اعتباره كشهادة العدلين أو إخبار الوكيل أو ما أشبه ذلك وعند التحقيق ليس التعويل على ذلك من حيث إفادته للظن بل من حيث التعبد الثاني لو وجب على الجميع لما سقط بفعل البعض والفرض أنه يسقط وأجيب بأنه لا مانع من سقوط الواجب بفعل البعض إذا حصل به الغرض ومنع ذلك مجرد استبعاد لا شاهد عليه مع ثبوت نظيره في الشرع كسقوط ما في ذمة زيد بأداء عمرو والتحقيق في الجواب ما عرفت حجة من قال بأنه يتعلق بالمجموع من حيث المجموع أنه لو وجب على كل واحد لكان سقوطه بفعل البعض نسخا لكونه رفعا للطلب بعد تحققه و النسخ يستدعي ورود خطاب جديد وإذ ليس فليس فلا يجب على كل واحد وأما لو تعلق بالمجموع فلا يتسرى إلى الآحاد إلا بالعرض فيكون الاثم أيضا للمجموع ويتسرى إلى الآحاد بالعرض والجواب أن النسخ ليس رفع الطلب مطلقا بل إذا كان ظاهرا في البقاء و الاستمرار وليس مفاد الخطاب في الكفائي بقاؤه بعد قيام البعض به حتى يكون رفعه نسخا ثم لو ترك الجميع فعقاب المجموع دون الآحاد غير معقول ومع عقابهم يثبت المطلق والتسري يستدعي موضوعين ونحن لا نتصور هنا مجموعا يصح تعلق التكليف به لو ترتب العقاب عليه سوى نفس الآحاد فصل لا خفاء في أن الامر على ما تقرر عندهم يشتمل على جز صوري به يدل على طلب الايجاد والنسبة وعلى جز مادي به يدل على المعنى المأمور به أي المأمور بإيجاده وقد اختلفوا في أن المعنى المأمور به هل هو الطبيعة أو الفرد فذهب إلى كل فريق والمختار هو الأول لنا تبادر الطبيعة منها وقد مر أنه علامة الحقيقة وأن المشتقات مأخوذة من المصادر المجردة عن أداة التعريف والتنكير وهي حقيقة في الطبيعة من حيث هي بحكم التبادر مضافا إلى ما عزي إلى السكاكي من حكاية الاتفاق عليه فيتعلق بها مدلول الهيئة من طلب الايجاد و إذا ثبت أن مدلول الامر لا يزيد على طلب إيجاد الطبيعة من حيث هي فلا يصلح للمنع من الحمل على ظاهره إلا ما تخيله الخصم وسنبين فساده احتجوا بأن الطبيعة من حيث هي يمتنع وجودها في الخارج
(١٠٧)