الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٠٠
الشرط الإرادة الموجبة للقراءة أو الذكر الواجب فلا استحالة في التكليف على تقديره نعم يرد على الوجه المذكور أن ترك الواجب لو كان نفسه شرطا في تعلق التكليف بالضد لكان تركه في تمام الوقت شرطا كما هو قضية هذا الاشتراط ويلزم منه عدم تعلق التكليف بالضد في أثنائه فيثبت الثمرة المذكورة مع أن المقصود نفيها بذلك و تمام تحقيق الكلام يطلب مما حققنا عند بحث المقدمة فإذا تبين لك فساد التفصيل المذكور بما لا مزيد عليه فاعلم أن من فضلائنا المعاصرين من فصل في المقام بين ما إذا كان فعل الضد رافعا لتمكن المكلف من فعل الواجب وبين عدمه فالتزم بالتحريم والبطلان في الأول ومنع منهما في الثاني وملخص ما ذكره في توجيه مرامه هو أن إيجاب الشئ إنما يقتضي بحكم العقل والشرع والعرف إيجاب التهيؤ له والتوسل إليه فيجب فعل ما يقتضي وجوده وجوده كالسبب وترك ما يقتضي تركه فعله كترك الحركة المقتضي لتحقق السكون الواجب وما يقتضي فعله عدم التمكن منه كالمنافيات فالضدان كان مما يوجب فعله لعدم التمكن من الواجب كالسفر المانع من إيصال الحق المضيق إلى صاحبه فهو محرم سواء قصد به الغاية المحرمة أم لا لان إباحته تقتضي عدم الاثم فيما يترتب عليه وإن قدر إرادة الواجب بعده فلو لم يكن الضد الموجب لعدم التمكن منه محرما لزم خروج الواجب عن كونه واجبا ولأن قضية إناطة الاحكام بالحكم والمصالح هو تحريم ما يقتضي رفع التمكن من فعل الواجب ولما ورد من النهي عن دخول البحر قبل الصلاة لمن لا يتمكن من الخروج عنه لأدائها وغير ذلك وإن لم يرفع تمكنه بل كان في جميع أفعال الضد متمكنا من تركه وأداء الواجب كما لو ترك أداء الحق المضيق وتشاغل بالصلاة فإنه يتمكن في كل حال من أحوالها أن يتركها ويتشاغل بالواجب وليس في فعل الصلاة ما يقتضي رفع تمكنه منه عقلا وهو واضح ولا شرعا لسبق الحق المضيق على الدخول فيها فيجوز الابطال له كالابطال لغيره من الأمور المقررة عليها فلا يلزم من إيجاب الواجب تحريم مثل هذا الفعل إذ ليس في تركه مدخلية في أداء الواجب ولا فائدة يترتب على تركه مع ترك الواجب إذ التمكن حاصل على التقديرين هذا محصل كلامه ومرجعه إلى قضاء وجوب الشئ بوجوب ما يوجب التهيؤ له ومنه إبقاء التمكن فيحرم فعل الضد الرافع دون غير الرافع أقول وهذا التفصيل عندي محل نظر لأنه إن أراد أن التمكن من الفعل شرط في بقاء التكليف فيجب إبقاؤه والمحافظة عليه لذلك فهذا فاسد قطعا لان إبقاء التكليف غير واجب بالنظر إلى نفس التكليف فضلا عن وجوب مقدمته لذلك وقد سبق في بحث المقدمة أن الواجب المشروط لا يقتضي وجوب مقدمته التي هي شرط الوجوب والضرورة قاضية بأنه كما لا يجب تحصيل شرط الوجوب من حيث كونه شرطا له كذلك لا يجب تحصيل شرط بقائه من حيث كونه شرطا لبقائه لان البقاء عند التحقيق في معنى الحدوث وإن أراد أن التمكن شرط للتوصل إلى فعل الواجب فيجب المحافظة عليه للتوصل به إليه ففيه أن رفع التمكن حينئذ يكون على حد سائر الأضداد الغير الرافعة للتمكن ضرورة أن ترك الكل شرط في التوصل إلى الواجب كما هو قضية ما بينهما من التضاد فيتحد الكلام في المقامين ويبطل الفرق المتوهم في البين و تحقيق المقام وتوضيحه أن الامر بالشئ يقتضي إيجابه لنفسه و إيجاب ما يتوقف عليه من المقدمات للتوصل إليه على ما سبق ذكره في الفصل المتقدم ولا خفاء في أن من جملة مقدمات الفعل إبقاء التمكن منه وهو يتوقف على ترك الأضداد المنافية له فيجبان للتوصل إلى فعل الواجب لان مقدمة المقدمة مقدمة وقد حققنا أن قضية وجوب شئ لشئ إنما هو وجوبه مقيدا لا مطلقا فلا يتصف بالوجوب إلا على تقدير حصول الاخر وترتبه عليه ومرجعه إلى مطلوبية المشروط بكونه بحيث يترتب عليه الاخر فحيث لا يأتي المكلف بالواجب النفسي لا يتصف شئ من مقدماته انتهى أتى بها في الخارج بالوجوب والمطلوبية الواقعية باعتبار كونها مقدمة له لانتفاء شرط وقوعها على وجه المطلوبية فيصح أن يتصف بغيره من الاحكام حتى التحريم لخلو المحل عن الضد المانع فيعمل المقتضي عمله لا يقال إذا تشاغل المكلف حينئذ بفعل الضد فإما أن يتعلق به التكليف بالواجب بالنسبة إلى الزمن الذي ارتفع تمكنه عنه بفعل الضد أو لا فإن كان الأول لزم التكليف بالمحال وهو محال وإن كان من قبل المكلف على ما هو التحقيق وإن كان الثاني خرج عن محل الفرض إذ الكلام في صحة تعلق التكليف بضد الواجب حال وجوبه لا بعد سقوط وجوبه إذ لا إشكال في جواز تعلق الوجوب بشئ وبضده في زمانين وذلك كما لو ترك سجدتي السهو على القول بفوريتهما وتشاغل بالفريضة عند سعة وقتها فإن انعقادها منه حينئذ يوجب رفع تمكنه من فعل السجدتين شرعا إلى أن يفرغ منها إذ لا يجوز له قطع الصلاة ولا إيقاعهما في أثنائها وكما لو ترك أداء الدين المضيق وسار إلى الحج فإن بعده عن صاحب الحق يوجب رفع تمكنه من الأداء عقلا إلى أن يرجع إليه مثلا لأنا نقول نختار القسم الثاني ونمنع خروج الصورة المذكورة عن محل النزاع إذ يجري الكلام فيها بالنسبة إلى ما قبل التشاغل بفعل الضد فعلى ما حققناه يتوجه إليه الخطاب بهما على الوجه المتقدم وكذا حال التشاغل به إذا تمكن من فعل الواجب في زمن يخل فعل الضد به وإلا كان أثر التكليف بالواجب جاريا عليه وإن انقطع عنه الخطاب بالنسبة إلى زمن عدم تمكنه ثم لا يذهب عليك أن عدم جواز نقض العبادة غير رافع للتمكن الشرعي من الواجب بل المكلف في أثنائها مأمور بنقضها لأداء الواجب لان صحة العبادة ورجحانها حينئذ مبنية على تقدير عدم صدور الواجب منه في زمان يخل به فعلها فإذا بدا له العزم على الواجب في زمان يخل إتمامها به عقلا أو شرعا كان ذلك كاشفا عن عدم تعلق الامر بها به في الواقع فتبطل وليس هذا إبطالا حتى يطالب فيه بالحجة المجوزة له هذا وأما الوجوه التي تمسك بها الفاضل المذكور فلا تنهض بإثبات دعواه من حرمة الضد الرافع للتمكن من الواجب بمعنى مطلوبيته تركه مطلقا أما الوجه الأول وهو لزوم خروج الواجب عن كونه واجبا فلانه الدليل المعروف بين القوم على وجوب مقدمة الواجب وقد بينا فساده في بحث المقدمة وعلى تقدير صحته فلا دلالة له على مطلوبية المقدمة مطلقا وإنما يقتضي مطلوبية المقدمة التي يتوصل بها إلى ذي المقدمة بالفعل إذ يندفع به شبهة لزوم خروج الواجب
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»