المذكور من جواز خلو المكلف عنهما جميعا فمحل نظر لأنه إن أراد الخلو عنهما مع التشاغل بغيرهما من الأضداد ففيه أن أحدا لا يقول بتوقف ترك الضد على التشاغل بضد آخر على التعيين بل يقول بتوقفه على فعل أحد الأضداد على البدل كما مر التصريح به في حجة الكعبي فلا يقدح جواز خلوه عنهما في التوقف على فعل أحدهما كما هو مناط الاشكال وإن أراد الخلو عنهما وعن سائر الأضداد كما ذكره قبل ذلك وصرح به في دفع شبهة الكعبي أيضا وقد أخذه من صاحب المعالم وغيره ففيه أن ذلك مع ابتنائه عندهم على أصل فاسد غير مفيد لان حالة الخلو وهي حالة التساقط وترك النفس لتصرفاتها الإرادية في البدن حالة وجودية فيه مضادة لجميع الافعال بالضرورة فتكون كأحد الأضداد الفعلية في توقف ترك الفعل الخاص عليها غاية ما في الباب أن لا تجب من باب المقدمة بناء على خروجها عن قدرة المكلف حينئذ لكن قد حققنا سابقا أن الواجب إذا كان له مقدمتان بدليتان إحداهما مقدورة والأخرى غير مقدورة تعلق الوجوب بالمقدورة على التعيين وسقط عن المكلف بحصول غيرها إن اتفق فظهر أن جواز خلو المكلف عن جميع الأفعال ما لا جدوى له في منع التوقف البدلي على الافعال ومعه يبقى الاشكال بحاله على أنه لا خفاء في أن حالة الخلو وإن لم يستند وجودها إلى قدرة المكلف استنادا تاما لكن لقدرته مدخل فيها قطعا لظهور أنه مشروط بعدم إرادته رفعها وهذا القدر من الاستناد كاف في صحة التكليف كما سنشير إليه في مبحث النهي فيتساوى حالة الخلو وسائر الأحوال في ذلك وقد سبق لهذا مزيد بيان الثالث ما ذكره المعاصر المذكور من أن وجوب المقدمة أصالة كما هو محل البحث ممنوع ووجوبها لغيرها تبعا غير مقيد إذ النهي الغيري التبعي لا يوجب العقاب ولا يترتب عليه الفساد والجواب عنه ظاهر مما مر فإنا قد بينا أن الكلام في الضد الخاص إنما هو في النهي الغيري التبعي والمنع من ترتب العقاب والفساد عليه كلام في الثمرة وهو نزاع آخر مع أن النهي الغيري التبعي وإن لم يترتب عليه العقاب من حيث نفسه لكنه لا يجتمع مع الوجوب لامتناع توجه الأمر والنهي إلى شئ واحد شخصا وجهة والاختلاف في جهة النفسية والغيرية و الأصالية والتبعية لا يوجب اختلافا في المتعلق لا حقيقة ولا اعتبارا وسيأتي لهذا مزيد بيان إذا تقرر هذا فاعلم أن جماعة زعموا أن ثمرة النزاع في الضد الخاص تظهر فيما إذا دار الامر بين واجب مضيق وعبادة موسعة فإنه لو أتى حينئذ بالموسع عصى وصحت عبادته بناء على القول بعدم الاقتضاء إذ لا مانع من الصحة وبطلت على القول بالاقتضاء نظرا إلى انتفاء الرجحان الذي به قوام العبادة حيث إن تركه حينئذ راجح ويمتنع رجحان الفعل مع الترك للتناقض ولأنه منهي عنه بالنهي الغيري فلو صح لكان مأمورا به أيضا لان صحة العبادة موافقتها للامر فيلزم اجتماع الأمر والنهي في الواحد الشخصي وهو محال ومن المتأخرين من أنكر الثمرة المذكورة حيث أثبت بطلان الضد على القول الأول أيضا نظرا إلى أن الامر بالشئ يقتضي عدم الامر بضده وإلا لزم التكليف بالمحال لامتناع الجمع بين المتضادين فيبطل إذا كانت عبادة لان صحتها متوقفة على تعلق الطلب بها ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بأن فعل الضد يتوقف على ترك الواجب وتحقق الصارف عنه وهما محرمان ويمتنع طلب الشئ حال تحريم مقدمته فهذه وجوه أربعة تقتضي بطلان الضد إذا كانت عبادة يتفرع الأولان منها على القول بالاقتضاء فقط والأخيران يتفرعان على القولين ثم إن جماعة قصروا موضع الثمرة على الصورة المذكورة ونفوها في المضيقين لأنهما إن تساويا فالتخيير وإلا تعين الأهم وامتنع الامر بالآخر وهو ضعيف إذ ليس منشأ هذا الامتناع عند التحقيق إلا لزوم الامر بالشئ وبضده وهذا بعينه وارد في الموسع أيضا كما سننبه عليه ووجه التفصي عنه في المقامين واحد كما سنذكره بل أقول ويظهر الثمرة في غير أوامر الشرع أيضا ممن ليس له أهلية الايجاب كأمر صاحب الدار لمن أذن له بمطلق التصرف فيها بأمر فعلى القول باقتضاء الامر بالشئ النهي عن أضداده الخاصة يحرم عليه جميع التصرفات المضادة له ما عدا الخروج منها إذ ليس له المنع منه فيبطل لو كانت عبادة وكذا الحال بالنسبة إلى لابس ثوب الامر وشبهه هذا ولما كان القول بمقتضى ذلك أعني بطلان الضد مطلقا بعيدا عن الطريقة السمحة بل مقطوعا بالعدم حيث يلزم في مثل ما لو ترك المكلف أداء دين مضيق عليه أن يفسد كل صلاة صلاها في السعة حال علمه وتذكره به بل كل عبادة منافية لأداء الدين إذا أتى بها كذلك ولو استوعب تمام عمره والمعهود من المذهب خلافه تفصى عنه بعض مشايخنا الاعلام بأن الحكم بالصحة وإن خالف القواعد المقررة لكن لا بد من القول بها لقيام الاجماع و السيرة القطعية عليها وكان غرضه أن الوجوه المذكورة لا يعتد بها لكونها شبهة في مقابلة الضرورة وإلا فالقواعد العقلية لا تقبل التخصيص ومما يعضد ما ذكره أن أهل العرف والعقلا الذين سلمت فطرة أذهانهم عن الشبهات المذكورة لا يرتابون في أن العبد المأمور بأمرين متشاركين في بعض الوقت أحدهما مضيق والاخر موسع أنه تمثيل إذا أتى بالموسع في وقت المضيق وإن حكموا بعصيانه من حيث مخالفته للامر بالمضيق وكذا لو تضيق وقتهما وكان أحدهما أهم في نظر الامر فتركه وأتى بغير الأهم وتفصى في المعالم عن إشكال منافاة مطلوبية ترك الضد بناء على وجوب المقدمة لصحته بأن الذي يقتضيه التدبر في أدلة وجوب المقدمة كون وجوبها للتوصل إلى ذي المقدمة فيختص بحال عدم الصارف عنه إذ حال وجوده لا يمكن التوصل إليه فلا معنى لوجوب المقدمة وعن منافاة حرمة مقدمة الضد لصحته بأن وجوب المقدمة ليس على حد وجوب غيرها بأن يكون المطلوب حصول نفسها بل التوصل إلى الغير فمتى حصل التوصل ولو بمقدمة محرمة حصل المطلوب وسقط وجوب غيرها كما لو سار إلى الحج على دابة غصبية فإن الحج يصح وإن وقع السير على الوجه المحرم ولا يجب عليه إعادة السير على وجه محلل و في كلا الوجهين نظر أما في الأول فلان وجود الصارف لا يرفع تمكن المكلف من الفعل كيف وهو مكلف بالفعل في تلك الحالة فيكون مكلفا بمقدمته أيضا والأدلة التي سبقت على وجوب المقدمة تنهض دليلا على وجوبها مع الصارف وبدونه وهذا ظاهر لا سترة عليه و ربما أمكن أن يتوهم الاحتجاج
(٩٥)