فلا بأس به وإن كانت مقارنة له في الحصول وقد مر تحقيق ذلك و اعلم أنه قد يستدل على الفساد بعموم قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين وجوابه أن البناء على ظاهر الآية يقتضي بطلان كل عبادة تصدر عن غير المتقي مطلقا وإن كان عدم انتفائه من غير جهة العبادة وهو خلاف الاجماع بل الضرورة فيدور الامر بين التخصيص و بين حمل القبول على القبول الكامل فإن لم يترجح الاحتمال الثاني فلا أقل من تكافؤ الاحتمالين ومعه لا يتم الدلالة ثم اعلم أن الصارف عن الواجب قد يكون إرادة الضد وقد يكون غيرها وجريان ما ذكرناه في الوجه الأخير متضح وأما في الوجه الأول فقد يستشكل من حيث إن الإرادة حينئذ سبب لامرين ترك الواجب وفعل الضد فتحرم لحرمة أحد معلوليها وهو ترك الواجب فيمتنع وجوب معلولها الاخر أعني فعل الضد لان إيجاب الشئ حال تحريم علته محال و لا سبيل إلى الاعتذار هنا على حسب ما مر في بعض الوجوه بأن وجوب الضد بعد الصارف عن الواجب لان وجود الضد بعد تحقق الصارف واجب ويمتنع إيجاب الفعل بعد وجوبه وحصول سببه و الجواب أما أولا فبالنقض بالعبادات المترتبة في الفضل إذا كان ترك الأفضل منها مستندا إلى إرادة ما دونها لان ترك المفضول حينئذ مطلوب للتوصل إلى الأفضل على التعيين فينافي مطلوبية فعله فلا يدل على البيان المذكور من أن يجعل مطلوبيته على تقدير وجود الصارف عن الأفضل وهو لا يستقيم فيما إذا استند ترك الأفضل إلى إرادة المفضول للزوم ما ذكر من مطلوبية الشئ على تقدير وجوبه وحصول سببه ويعرف الكلام في ذلك مما مر في النقض المتقدم وأما ثانيا فبالحل وهو أن الاستحالة المذكورة إن كان مبناها على ما زعمه بعضهم من أن حكم المعلول لا يغاير حكم العلة حتى إنها إذا حرمت لحرمة أحد معلوليها حرم معلولها الاخر لحرمتها و استحال حينئذ وجوبه فمدفوع بما مر في بحث المقدمة من جواز الانفكاك وعدم الملازمة وإن كان مبناها على ما أشير إليه في دفع الاعتذار من كونه إيجابا للشئ بشرط وجوبه وحصول سببه كما مر في دفع الاعتذار المذكور فمردود بأنا لا نسلم أن وجوب الضد يتوقف على وجود الصارف عن الواجب بل يتوقف على نفس عدم حصول الواجب لأنه الذي ينافي اشتغاله بالضد بنفسه فبعدمه يتمكن منه بخلاف الصارف فإنه من لوازمه وحينئذ فلا يلزم إيجاب الشئ بعد وجوبه ويمكن دفعه بأن وجوب الضد إذا توقف على ترك الواجب فقد توقف على وجود الصارف الذي هو سببه أيضا لان ما يتوقف على المعلول يتوقف على علته أيضا بالضرورة فيلزم المحذور أيضا لا يقال لا نسلم أن ترك الواجب مستند إلى وجود الصارف بل إلى عدم الإرادة وهو من لوازم وجود الصارف فلا يتم الدفع أو يقال الأسباب على قسمين قسم يرتفع قدرة المكلف عن مسبباتها حال حصولها ولا ريب في امتناع التكليف بمسبباتها حينئذ كالالقاء من الشاهق بالنسبة إلى القتل وقسم يبقى معه الاختيار كالاختيار فإن المختار لا يخرج بالاختيار والإرادة عن كونه مختارا وإلا لسقط التكليف عنه حال حصولها وهو ظاهر الفساد فحينئذ يجوز أن يكون التكليف بفعل الضد مبنيا على إرادته ولا يعقل فرق بين بقاء التكليف حال الإرادة و بين إنشائه فيها لأنا نقول أما الأول فمدفوع بأن استناد ترك الواجب إلى عدم الإرادة لا ينافي استناده إلى وجود الصارف أيضا فإن عدم الإرادة في الفرض المذكور مستند إلى وجود الصارف وأما الثاني فمدفوع بأن الفرق بين الأسباب الاختيارية في ذلك ضعيف لان المكلف حال التشاغل بها قادر على ترك الفعل من غير فرق بين الإرادة وغيرها وبعدها لا يتمكن من الترك فيهما أما في غير الإرادة فظاهر وأما في الإرادة فلأنها بعد حصول ما هو سبب تام منها يمتنع تخلف الفعل الذي هو معلولها عنه والتقدير أن هذا هو الصارف الذي يستند ترك الواجب إليه حال وقوع الضد فيبقى الاشكال بحاله لان وجوب الضد يتوقف على ترك الواجب المستند إلى إرادة الضد التي هي سبب لحصوله على ما هو المفروض فيلزم وجوب الشئ بعد وجوب وجوده بل التحقيق في الجواب ما حققناه سابقا من أن تعلق الوجوب بالضد لا يتوقف على وقوع ترك الواجب ليلزم المحذور بل إنما يتعلق على تقدير وقوع الترك لان وجوبه بالنسبة إليه مطلق لا مشروط ووقوع الترك كاشف عن تعلق الوجوب لا مثبت له لا يقال إذا كان تعلق الوجوب على تقدير حصول المسبب كان تعلقه على تقدير حصول السبب أيضا لكن التالي باطل أما الملازمة فلما عرفت عند بحث المقدمة من أن مرجعها إلى اشتراط الوجوب بكون المكلف بحيث يصدر منه المسبب ولا ريب في أنه مستند إلى كونه بحيث يصدر منه السبب فتوقفه على الأول يوجب توقفه على الثاني وأما بطلان الثاني فلانه إيجاب للشئ على تقدير وجوبه وحصوله سببه من غير اعتبار أمر زائد إذ لم يقصد في التكليف إلا مسبب [سبب] تلك الإرادة وفساده ضروري لأنا نقول وجوب الضد ثابت على تقدير عدم حصول الواجب سواء استند إلى إرادة الضد أو لا وبعبارة أخرى سواء أراد فعل الضد أو لا ولا ريب في أن التكليف كذلك مما لا غبار عليه وإن صادف حصول الإرادة كما في سائر التكاليف نعم يمتنع التكليف على تقدير حصول الإرادة فقط وظاهر أن المقام ليس منه وهذا الجواب كما يدفع الاشكال على الوجه الذي قررناه كذلك يدفع الاشكال على الوجه الأول أيضا ومما يوضح ذلك أنه إذا وجب على المكلف بنذر أو شبهه التشاغل بالقراءة أو الذكر في وقت معين إذا كان متطهرا فيه فإنه إذا استند محافظته على الطهارة في ذلك الوقت إلى إرادته لفعل القراءة الواجبة أو الذكر الواجب فيه فالضرورة قاضية بأن التكليف بذلك لا يرتفع عنه حينئذ مع أن الشبهة المذكورة جارية فيه لظهور أن وجوب القراءة أو الذكر مستند إلى وجود الطهارة أو عدم الحدث المستند إلى إرادة تلك القراءة أو ذلك الذكر فيستند وجوب القراءة أو الذكر إلى وجود علتها الموجبة لها ومثله الكلام فيما لو استند ترك السفر إلى إرادة الصوم و وجه الدفع والحل ما عرفت من أن التكليف بالقراءة أو الذكر المشروط بوجود الطهارة أو عدم الحدث أو بالصوم المشروط بالحضور مطلق وليس مقيدا بما إذا كان سبب
(٩٩)