الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٩٤
يذم على تركه اتفاقا وهو إما نفس الكف أو فعل ضد غير الكف إذ لا ذم إلا على فعل لأنه المقدور وأيهما كان فالذم عليه يستلزم للنهي عنه وأجيب عن الأول بأنه إن أريد بالنقيض الترك فلا نزاع لنا في دلالة الامر على النهي عنه بالتضمن وإن خالف فيه القائلون بالعينية وإن أريد به أحد الأضداد الوجودية فلا نسلم أنه جز من معنى الوجوب إذ لا يزيد مفهومه على رجحان الفعل مع المنع من الترك و عن الثاني بالمنع من أنه لازم إلا على فعل بل قد يذم على عدم الفعل سلمنا لكن نقول ليس الذم على فعل الضد بل على الكف ولا نزاع فيه و أنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا وبما سيأتي ذكره وقفت على ما في الاحتجاجين وجوابيهما من الوهن والضعف واحتج الفاضل المعاصر على كون الامر بالشئ مستلزما للنهي عن ضده العام استلزاما بينا بالمعنى الأعم بأن الامر حقيقة في الطلب الحتمي و يلزمه إذا صدر من الشارع ترتب العقاب على تركه والممنوعية منه وكأنه يزعم أن المنع من الترك مغاير للحتم والالزام معنى وأن الامر موضوع للطلب المقيد بكونه حتميا على أن يكون القيد خارجا عن مدلول اللفظ كالبصر بالنسبة إلى العمى وقد صرح بهذا في بعض مقدمات مبحث المقدمة حيث جعل دلالة الامر على الحتم والالزام من باب اللزوم البين بالمعنى الأخص وضعفه ظاهر لان المتبادر من الامر إنما هو الالزام بالفعل وهو نفس الحتم والايجاب وإليه يرجع المنع من الترك وهذا التبادر عندهم وضعي لا إطلاقي كما عرفت فلا يكون الحتم قيدا خارجا عن المدلول وأما الممنوعية من الترك بمعنى مبغوضيته فهي وإن كانت من لوازم إيجاب الفعل والالزام به إلا أنها خارجة عن محل البحث لان الكلام في النهي عن الضد ومع ذلك فهي لا يختص بأمر الشارع بل يعم جميع الأوامر الالزامية نعم لا يترتب عليها أثرها من استحقاق الذم والعقاب في غير أوامر العالي حجة من نفي الاقتضاء في الضد الخاص أنه لو اقتضاه لكان بطريق الاستلزام والتالي باطل أما الملازمة فلما مر من بطلان العينية و التضمن وانحصار طرق الاقتضاء في الثلاثة ظاهر جلي وأما بطلان التالي فلانه لو استلزمه لكان إما من جهة أن فعل الضد يستلزم ترك الواجب وهو محرم فيحرم فعل الضد لان مستلزم المحرم محرم و إما من جهة أن فعل الواجب يتوقف على ترك الضد فيجب من باب المقدمة ووجوب الترك في معنى حرمة الفعل وكلاهما مدفوع أما الأول فلما مر من منع لزوم تساوي المتلازمين في الحكم ما لم يكن بينهما علية على التفصيل السابق و هي في المقام ممنوعة وقد سبق منا تحقيق الكلام في ذلك وأما الثاني فلهم في دفعه وجوه الأول أن مقدمة الواجب لا تجب ما لم يكن شرطا شرعيا كما يراه الحاجبي أو سببا كما يقول به صاحب المعالم وظاهر أن ترك الضد ليس بأحدهما وربما يشكل على الأول بالأضداد الشرعية مع أن إطلاق كلامه يقتضي منع الاقتضاء فيها أيضا وربما أمكن توجيهه بأن الكلام هنا في الاقتضاء من جهة الضدية وهي مغايرة لجهة الشرطية وإن استلزمها فاعترافه بالاقتضاء في الضد الشرعي بالاعتبار الثاني لا يوجب اعترافه به فيه بالاعتبار الأول وفيه تكلف والجواب واضح مما حققناه سابقا من وجوب مقدمة الواجب مطلقا وفساد التفصيلين المذكورين فلا حاجة إلى إعادته الثاني ما ذكره بعض الأفاضل من أن ترك الضد ليس مقدمة لفعل الواجب إذ لا توقف له عليه وإنما هو يستلزمه بل توهم التوقف في عكسه أولى كما زعمه الكعبي قال ومنشأ التوهم عدم انفكاكهما ولذلك يتوهم من الطرفين مع أنه محال انتهى وأراد بقوله و لذلك يتوهم من الطرفين الرد على الحاجبي والعضدي حيث التزما بالتوقف في المقامين وقوله مع أنه محال إشارة إلى لزوم الدور الظاهر على هذا التوهم وهذا الرد متضح الورود وقد أغرب الفاضل المعاصر حيث استغرب قوله مع أنه محال معترضا عليه بأن المقامين متغايران وهو مما يقتضي بعدم وقوفه على مقصوده مع أن دلالة كلامه عليه في غاية الوضوح والظهور وإنما جعل توهم التوقف في العكس أولى لان الفعل يستلزم الترك بخلاف الترك و الجواب قضية تضاد الافعال والأكوان أن يكون وجود كل فرد منها مشروطا بعدم الاخر فإن عدم الضد لمانعيته معتبر في وجود الضد الاخر بخلاف عدم فرد منها فإنه لا يعتبر فيه وجود الاخر وإنما ذلك من لوازم وجود الموضوع على ما مر التنبيه عليه سابقا فالفرق بين المقامين في غاية الظهور فإن قلت قضية مانعية شئ لشئ أن يكون وجوده سببا لعدمه فإذا كان وجود كل من الضدين مانعا من وجود الاخر كان سببا لعدمه وهذا ينافي ما قررت من أن عدم كل منهما شرط لوجود الاخر لاستلزامه الدور قلت قضية المانعية تأثير المانع في عدم الشئ لو لم يسبقه في التأثير سبب آخر لا التأثير الفعلي وليس الشرط في وجود أحد الضدين عدم الاخر المستند إليه بل عدمه مطلقا وإن استند إلى أمر آخر كعدم الإرادة و عدم المقتضي هذا كله إذا كانت المانعية من الجانبين وأما إذا كانت من جانب واحد كالضحك والاستدبار والحدث والكلام بالنسبة إلى الصلاة حيث إن تلك الأمور مانعة من وجودها بل مستلزمة لعدمها ضرورة استلزام الشئ لعدم المانع فالكلام المذكور إنما يجري هناك من جهة المانع ولا يتوهم فيه الاشكال المذكور هذا ومن عجائب الأوهام ما سنح للفاضل المعاصر في المقام حيث استظهر أن يكون منشأ توهم الفاضل المذكور هو أنه لما وجد أن ترك أحد الضدين يتخلف غالبا عن فعل الاخر توهم أنه لا مدخل له في فعله أو أنه لما توهم أن مقدمة الفعل عبارة عما يتوقف عليه في نظر المكلف عند التفطن ووجدان الأضداد كثيرا ما يتركها الفاعل من غير أن يتفطن بتوقفه على تركها توهم عدم كون الترك حينئذ مقدمة له ثم غفل فطرد الكلام إلى حال التفطن فمنع من كونه مقدمة له مطلقا أو أنه لما لم يجد التوقف عند ترك الضد إذ لا تحقق له حتى يتحقق هناك التوقف أنكر التوقف فيه ثم غفل فطرد الكلام إلى حال الاشتغال فتوهم عدم توقفه عليه مطلقا هذا محصل كلامه بعد تنقيحه و تصحيحه وأنت خبير بأن الفاضل المذكور بمكانة من متانة النظر فهو أجل من أن يخطر بباله هذه التوهمات الواهية فضلا من أن يعترف بصحتها ويستند إليها بل الظاهر أن منشأ توهمه على ما يستفاد من بيانه هو أنه لما وجد ترك الضد متوقفا على الصارف فقط ووجد فعل الضد من جملة المقارنات توهم مثله في جانب الترك ولم يتنبه للفرق بين المقامين هذا وأما ما استند إليه المعاصر المذكور في منع توقف ترك أحد الضدين على فعل الاخر كما ذكره الفاضل
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»