ذلك حد الحرمة والكراهة وحينئذ فلا يلزم خروج مقدمة الواجب عن حد الواجب ولا صدق حد المندوب عليها بهذه الحيثية إن قلنا بعدم ترتب العقاب على تركها من حيث كونه تركا لها بل من حيث ما يلزمه من التجري على ترك الواجب كما هو التحقيق وأما ما زعمه بعض المعاصرين من أن القائلين بوجوب المقدمة يقولون بترتب العقاب على تركها واستفاد ذلك من احتجاجهم على فساد ضد الواجب إذا كان عبادة بتعلق النهي به من باب المقدمة حيث زعم أن النهي المقتضي للفساد ليس إلا ما كان فاعله معاقبا ففيه ما لا يكاد يخفى بل النهي المقتضي للفساد أعم من ذلك كما سينبه عليه وزعم أيضا أن الواجب الغيري إذا كان وجوبه أصليا يترتب العقاب على تركه بخلاف التبعي وضعفه ظاهر بل التحقيق أن الواجب الغيري لا يستحق على تركه العقاب وإن كان أصليا كما أن الواجب النفسي يستحق على تركه العقاب وإن كان تبعيا للقطع بأن المولى إذا قال لبعض عبيده اذهب إلى السوق واشتر اللحم منه وقال لاخر اشتر اللحم منه من غير أمر بالذهاب إليه كانا متساويين في استحقاق العقوبة على المخالفة من هذه الجهة فلا يعاقبان إلا عقابا واحدا [ومنها بطلان العبادة الموسعة إذا كان تركها مقدمة الواجب مضيق على ما زعمه جماعة وسيأتي تحقيق الكلام فيه] ومنها ما ذكره بعضهم من الاجتماع مع الحرام وعدمه فعلى القول بالوجوب لا يجتمع مع الحرام وعلى القول الاخر يصح أن يجتمع أقول وهذه الثمرة مستدركة إذ لا خلاف ظاهرا بين من قال بوجوب المقدمة ومن لم يقل بوجوبها في أن المكلف إذا توصل بالمقدمة المحرمة سقط عنه وجوب غيرها وصح منه الواجب إن تقدم فعلها عليه كالسير بالنسبة إلى الحج وأما إن قارنته فإن عول على ما نحققه من أن الواجب مطلوب حينئذ على تقدير حصول المقدمة صح على القولين وإلا بطل على القولين فغاية ما تقتضيه القاعدة المذكورة اختصاص الوجوب فيها على القول به بغير المحرم وهذا ليس ثمرة للنزاع بل تخصيص له وقد يجعل من ثمرة النزاع براءة ذمة الناذر وعدمها فيما لو نذر أن يأتي بواجب فأتى بمقدمته فإنه تبرأ ذمته بفعلها على القول بوجوب المقدمة ولا تبرأ على القول الاخر وهذا إنما يتم إذا نوى مطلق الواجب و إلا فالاطلاق ينصرف إلى الواجب النفسي الخامس زعم بعضهم أن الامر بذي السبب الغير المقدور بنفسه راجع إلى الامر بسببه الصادر من المكلف من غير واسطة لا مطلق السبب فيلزم ارتفاع التكليف لانتهاء الأسباب إليه تعالى فالامر بالقتل الذي هو عبارة عن إزهاق الروح مثلا راجع إلى الامر بقطع الأوداج والالقاء من شاهق أو نحو ذلك وذلك لان الامر لا يتعلق بغير المقدور والقدرة لا تتعلق بغير الأسباب وضعفه ظاهر لان المعتبر في صحة التكليف بشئ عقلا و عرفا هو كونه مقدورا ولو بالواسطة ولا ريب في أن المسببات مقدورة بواسطة أسبابها فلا باعث على صرف اللفظ عن ظاهره وقد يفرق بين ما إذا كان المسبب فعل الغير كالاحراق الذي هو فعل النار وبين غيره فيلتزم بمقالة الخصم في الأول فيجعل الامر بالاحراق مثلا أمرا بسببه مجازا كالالقاء في النار ومرجع هذه الدعوى إلى منع كون السبب لحصول الاحتراق مثلا مصححا لاسناد الاحراق حقيقة وأنه يتعين حينئذ أن يكون المراد فعل السبب مجازا وكلاهما ممنوع أما الأول فلانه لو تم لجرى في جميع الأفعال الصادرة بواسطة الأسباب فيسقط الفرق بل التحقيق أن معنى الاحراق التسبب لوجود الاحتراق ولو بواسطة النار فيكون إسناده إلى المكلف حقيقة كإسناده إلى النار وعلى قياسه سائر الأفعال التي معناها التسبب نعم ينبغي أن يستثنى من ذلك الافعال التوليدية التي هي فعل إنسان آخر باختياره فإن إسنادها إلى السبب مجاز كأمر السلطان للوزير ببناء دار أو صنع سرير أو فتح حصن فإن إسنادها إليه مجاز ومن هنا ترى الفقهاء يقولون بأن الوكيل على أمر ليس له توكيل غيره إلا مع شهادة الحال عليه أو تصريح الموكل به وأن من آجر نفسه على أن يعمل عملا مع الاطلاق ليس له أن يستنيب غيره عليه [و أما قولهم بأن الأجير على عمل مع الاطلاق له أن يستنيب غيره عليه فمستند إلى دليل خارجي] ومن هنا يظهر أن ما ذكره في الروضة من عدم الفرق في منع القاتل من الإرث بين المباشر والسبب في ظاهر المذهب للعموم محل نظر وأما الثاني فلانه لو سلم مجازية الاسناد فحمل الامر على إرادة السبب بعيد بل الظاهر إرادة المسبب بالسبب لحصوله ولو بواسطة السبب مجازا فيكون فعل السبب مطلوبا غيريا لا نفسيا السادس ذكر الفاضل المعاصر في غير موضع أن الامر بالطبيعة يقتضي الامر بالفرد من باب المقدمة وقد سبقه إلى ذلك غيره وهو عندي غير مرضي لان الطبيعة عين الفرد في الخارج إن فسر الفرد بالطبيعة المتشخصة كما هو الظاهر فالاتيان به عين الاتيان بالمأمور به فيمتنع التوقف عليه في الخارج [وأما حصول ما يغاير الطبيعة المأمور بها في العقل بحصوله فبالتلازم لا بالتوقف والتوصل] وإن فسر بالمجموع المركب من الطبيعة والتشخص فإن قلنا باتحادهما في الخارج فكما مر ولا يقدح توقف وجودها على التشخص حينئذ لأنه توقف عقلي في طوف التحليل لا خارجي و المعتبر في المقدمة هو التوقف في الخارج إذ به يناط التكليف وإن قلنا بتغايرها فيه فعدم التوقف أوضح لان وجود الجز لا يتوقف على وجود الكل بل الامر على العكس وهذا بعد التنبيه عليه مما لا خفاء فيه السابع زعم جماعة أن القول بوجوب المقدمة يوجب القول بانتفاء المباح لان ترك الحرام واجب ولا يتم إلا بفعل من الافعال فيجب ذلك الفعل بناء على وجوب مقدمة الواجب وحيث استصعب هذه الشبهة على جماعة تفصى عنها بعضهم بإنكار المقدم كالحاجبي حتى إنه جعلها أحد الأدلة عليه ومنهم من اعترف بالتالي واشتهرت حكاية هذا القول عن الكعبي وربما ذكروا له حجة أخرى أيضا وهي أن ترك الحرام واجب وهو مستلزم لوجود فعل من الافعال فيجب لامتناع أن يختلف حكم المتلازمين والجواب عن الأول أما أولا فبأن الشبهة المذكورة على تقدير صحتها لا توجب نفي المباح رأسا فإن المكلف قد لا يتمكن من الحرام فلا يجب عليه تركه لان النهي عن الممتنع قبيح كالأمر بالواجب فلا يجب عليه مقدمته أيضا وذلك كالتشاغل حال الغفلة عن الحرام أو تعذره منه وهذا مما لا حصر له وأما ثانيا فإن ترك الحرام إنما يتوقف على وجود الصارف فقط ولا ريب في وجوبه دون غيره من الافعال إذ لا يتوقف عليها بل يستلزمها فإنها من لوازم وجود المكلف حينئذ بمعنى عدم إمكان انفكاكه عن جميعها على تقدير ترك الحرام وقد ظن جماعة أن ذلك مبني على القول بعدم بقاء الأكوان أو أنها على تقدير البقاء تحتاج إلى المؤثر أولا فلا ملازمة أيضا لجواز خلو المكلف عن كل فعل فلا يتحقق منه إلا الترك سواء فسر بالكف أو بنفس أن
(٨٨)